الجمعة، 11 سبتمبر 2009

شرق المتوسط ~

مع كل قراءة في رواية أتعرف على وجوه جديدة. شخصيات من مختلف التوجهات والأفكار, يحملون أفكار متصادمة, لا يمكن وجود اتفاق فيما بينها. منهم من يحمل الخير, والشر. شخصيات مستضعفة, حزينة, متهورة, مجنونة, محققين ورسامين, وعشاق, وقتلة, ومنحرفون , وشواذ . استبداديون, ومتطرفون, وارهابيون. رجال دين, ورجال مخابرات, امرأة جميلة, وقحة, راقصة .. الخ . من كل الأنواع والأصناف البشرية موجودة في أغلب الروايات .تمر على القارئ عدد هائل من الشخوص الروائية, وقليل منها من يبقى في الذاكرة لتجسيده في الرواية دوراً لا يمحى من ذاكرة القارئ . على عدد قراءتي للروايات, لم يثير اهتمامي إلا عدد قليل من الشخصيات. لازلت أتذكرهم, وأعود أحياناً لقراءة أجزاء من ماقالوه. من هذه الشخصيات : شخصية رجب, السجين السياسي في شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف.المصافحة الأولى لي مع عبدالرحمن منيف كانت مع شرق المتوسط. يصعب على القارئ حين يقرأ رائعة منيف شرق المتوسط أن يخرج عن نطاق تأثيرها لبعض الوقت, الترقب يزداد كلما تقدمت الصفحات وقل الباقي منها عن ماذا عساها الأحداث أن تسفر؟ السجن السياسي موضوع هذه الرواية. شخوص هذه الرواية الأساسية "رجب" وشقيقته "أنيسة"تبدأ "شرق المتوسط" بمظهرين متناقضين. الأول مشرق متفائل: إيراد مقتطفات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسفينة "أشيلوس" التي تمخر عباب البحر متجهة إلى اليونان. والثاني ساخر مرير متشائم: يعبّر عنه "رجب إسماعيل" وهو يخاطب السفينة أيلوس بنبرة تقترب من العدمية.أحداث الرواية تتابع منذ اللحظة التي وقَّع فيها رجب على اعتراف داخل السجن فنال حرية بدنه وخسر كل معنوياته وثقته بنفسه. وتتسلسل الأحداث بعد ذلك على شكل بكائية ندم وتبرير، وحوار داخلي ,هل كان عمله صحيحاً أم لا ؟ وبين اللوم والتقريع والتبرير، يعيش رجب ما بقي له من أيامٍ قليلة فهو بعد أن خسر اعتداده الشديد بنفسه ونضاله، يسقط في فراغ العدمية والشعور بالتفاهة المتناهية.أين مارس عبدالرمن منيف مظاهر الرؤية الفجائعية في رائعة شرق المتوسط؟ في الفصل الثالث من الرواية, تدور أحداث الرؤية الفجائعية على ظهر سفينة أشيلوس. لم يكن السرد الروائي على لسان رجب هادئاً جافاً. بل كان أقرب للهذيان والجنون وتصوير الاوضاع المزرية بصورة أقرب للعدمية والخيال. كان رجب يحادث السفينة.. يلعن الناس على ظهرها .. يخاطب فيها روحه التي فقدها بعد أن باع كرامته لحظة توقيعه اعتراف السجن.. يبحث معها عن أرض تستحق أن تكون أرضاً لحرية, لا أرض يصحى فيها الإنسان على أقدام رجال المخابرات. الفصل الثالث من الرواية لا يمكن أنساه. كان التصوير الفني مذهلاً لا يكتبه إلا مجنون. بعد أن انتهيت من هذا الفصل لا يمكنني أن أصف الراوي إلا بالمجنون.
* من أجمل القراءات عن رواية مدن الملح هي للزميلة غموض المساء :
يوسف