الجمعة، 11 سبتمبر 2009

من مجلة مزوى العمانية ~

يمثل الروائي عبدالرحمن منيف قنطرة مهمة في سياق الرواية العربية المعاصرة: فهو يوائم في كتاباته بين الرورح المحفوظية وفتوحات الرواية في بعديها الملحمي والواقعي السحري، وصولا الى شكل روائي مبتكر. وتهجس روايات منيف بالحرية وتتطلع خطاباتها الى واقع عربي خال من أشكال العسف والاستبداد وخنق العدالة ومصادرتها. وبالتالي فهي روايات تؤرخ للديكتاتورية من اجل التحديق في آلياتها ومقاومتها وهزيمتها.وكان منيف يرنو في ثلاثيته الاخيرة "أرض السواد" الى ان يشاركه في كتابتها الراحل جبرا ابراهيم جبرا شريكه في العمل المشترك المتميز "عالم بلا خرائط" لكنه كما يقول اناب عن جبرا في كتابتها. ويرى منيف أن "ارض السواد" التي تسلط الضوء على مرحلة من تاريخ العراق، تطرح تساؤلات حول اخفاق مشروع النهضة العربية، لافتا الى ان قضية التنوير تمثل احد أهم هواجسه. "نزوى" التقت عبد الرحمن منيف. وحاورته في عمله الجديد الذي يعيد الاعتبار للرواية الملحمية.

* تتناول روايتك الجديدة "أرض السواد" مرحلة مضطربة من تاريخ العراق، اين حدود التمييز في هذا العمل بين السرد والتاريخ، الا تخشي ان يطلق على عملك مصطلح رواية تاريخية؟

- التاريخ، اغلب الأحيان، حالة منجزة، والاقتراب منه بمقدار ما يبدو سهلا، فإنه شديد الصعوبة، لأن مهمة الروائي يجب ان تتساوق مع الحقيقة الكامنة في هذا التاريخ، وليس اعادة انتاجه، كما فالرواية أحدى ابرز الصفات فيها، هي هذه الفسحة من الخيال، ومن خلق الشخصيات التي لم يكن لها وجود تاريخي، والتي تعطي ملامح عن التاريخ الحقيقي الذي وقع. من هنا وجدت ان الاستناد، بمقدار ما، الى التاريخ يمكن ان يفسح مجالا، ومستويات متعددة لقراءات يتشارك فيها الكاتب مع قرائه، فيعاد بالتالي قراءة تاريخ الاجتماع، أي قراءة الواقع كما كان، وكما حصل فعلا، دون الاستناد فقط الى تاريخ الحكام، أي عدم اعتماد التاريخ الرسمي كمستند وحيد للحقيقة التي كانت ذات يوم. وفي الوقت نفسه يمكن من خلال اختيار المقاطع او الفترة الزمانية التي تكون جزءا من جسد الرواية، القاء الضوء على تلك المرحلة والتعرف عليها. عندما اخترت مرحلة من تاريخ العراق اردت ان اطل، واجعل القراء يطلون أيضا، وبعين مدققة على منطقة جغرافية، وعلى بشر حقيقيين... اردت التعرف على الوقائع الأساسية. لم أشأ ان اؤرخ في "أرض السواد" لداوود باشا الا باعتباره مظهرا او رمزا، ومرحلة لفكر، ولمحاولات كانت تتطلع نحو صيغة جديدة للحياة والعلاقات. وبمقدار ما تتناول هذه الرواية مرحلة تاريخية سابقة، الا انها تتناول واقعا راهنا، وقراءة لمجتمع، لعلاقات من نمط يساعدنا على فهم ما يجري الآن. هناك روايات اعتمدت على التاريخ، واصبحت أسيرة له، بمعنى أنها تعيد انتاج ما هو منتج، وربما أيضا ما هو معروف، لذلك أفضل في مثل هذه الحالة ان يعود الانسان الى التاريخ ذاته، وهو ليس في حاجة الى عكاز، او وسيلة ايضاح من أجل التعرف على هذا التاريخ، وهذا ما جعلني اتجنب القراءة التاريخية المباشرة. ان اعادة خلق الوقائع لا تكون بمعارضة التاريخ الفعلي، وانما عبر خلق خطوط موازية من أجل فهم هذا التاريخ، من هنا يمكن لقارئ "أرض السواد" ان يجد كما هائلا من أبطال لهم أسماء وملامح وأدوار لم يسجلها التاريخ الرسمي، وقد لا تكون موجودة بالفعل: ولكنها موجودة بدورها ودلالاتها، وهذا ما يعطي للرواية الاهمية البالغة، بحيث تنأى من جديد عما وقع في فترة زمانية سابقة اتخذت فيها الوقائع مسارا معينا. وفي النتيجة النهائية يصبح التاريخ نفسه تساؤلا أساسيا ومطلبا ملحا من أجل قراءة جديدة ومختلفة.

* وهل في نيتك ان تكون "أرض السواد" مرافعة ضد ما يجري حاليا في بلاد الرافدين؟

- "أرض السواد" بكلمة موجزة اعادة اكتشاف مجتمع، واعادة قراءة البشر في هذا المجتمع، واحدي القضايا التي تركز عليها الرواية هي ادانة التدخل، وعدم الرغبة في وجود الاجنبي، ومقاومة الاملاء والفرض، وأيضا معرفة ناس القاع، والعواطف التي تحركهم: والاحلام التي تموج في صدورهم، وابراز الرغبة في حياة انسانية بسيطة وشريفة في آن، اما ان تكون هذه الرواية مرتبطة بفترة زمانية محددة، او اعتبارها مرافعة تمليها ظروف طارئة، فان ذلك مصادرة على المطلوب، او اختصار الوقائع بجزيئات تحاول الرواية، اية رواية، تجنبها. لا شك ان معاناة العراق في المرحلة الحالية تحرك حتى الصخر، وتولد احتجاجا عميقا ضد هذه المعاناة التي بالإضافة الى قسوتها وظلمها، فانها تعطي فكرة عن العصر الاسود الذي نعيش فيه، حيث تتحكم القوى العمياء، وتحاول فرض هيمنتها، وتملي على الآخرين ارادة غاشمة، وتحاول الغاء كل حق انساني في الحرية والسيادة. تستطيع وسائل التعبير، وخاصة المباشرة منها، ان تتناول مثل هذه الموضوعات، وان توفيها حقها. هدف الرواية، رغم انه يتضمن شينا من هذا، الا انه لا يكتفي به: ولايقتصر عليه، وهكذا اجد ان "أرض السواد" تحاول اكتشاف الجانب المضيء، والعصب القوي، والوقائع التي تحرك، وايضا تعبر عن ارادة وحلم ه رغبة، وتتناول القضايا التي تسيء للانسان، وتحاول ان تحد من انطلاقته، وان ترغمه على ما لايريد. "أرض السواد" تأمل في التاريخ والانسان والعلاقات غير المتكافئة ومساهمة في خلق وعي أكثر تقدما لمناهضة كل ما يقف في وجه الانسان او يحد من انطلاقته، فاذا تقاطعت مع مرحلة راهنة، فانها تحاول أن تتطلع الى الماضي والى المستقبل بنظرة جديدة0

* كان من المفترض ان تكتب هذا الرواية بمشاركة الراحل جبرا ابراهيم جبرا، هل هذا صحيح، وهل أغرتك تجربة "عالم بلا خرائط" كيما تكررها في عمل جديد، الى هذا الحد درجة التناغم بينك وبين جبرا؟

- تجربة "عالم بلا خرائط" مرهقة بلا شك، وقد كانت استثناء ويبدو لي ان من الصعوبة تكرارها، هذا اولا، اما الشيء الآخر فان طبيعة العلاقة بيني وبين جبرا كانت من المتانة والفهم المشترك وايضا من التحام التجارب بحيث يمكن نظريا ان يفكر الانسان في تكرارها. من جانب آخر، ربما أفادتنا الظروف المتشابهة بيني وبين جبرا باعتبارنا وفدنا على العراق في سن متأخرة نسبيا، واستطعنا كما يحصل دائما، ان نرى أشياء قد لا يستطيع القريب منها رؤيتها، الامر الذي يمكن من يراقب ويتابع من اكتشافها، وتحديد اهميتها، خلافا لمن يعيشها كل ساعة وكل يوم، وهذا ربما يشكل نظرة جديدة واضافية في قراءة مجتمع، او مرحلة تاريخية معينة. يقول "همنجواي" انه كان عندما يريد الكتابة عن امريكا يذهب الى اوروبا لكي يرى المشهد من بعيد كاملا وكليا، ولاننا "جبرا وانا" فكرنا اكثر من مرة ان نكتب عن العراق، فقد كان من الممكن ان تتشابه النظرة، وربما المعالجة، اما المرحوم جبرا وقد غاب، فقد انبت عنه في محاولة تقديم لوحة عن العراق تكون موازية لما يعرفه وعاشه العراقيون. واذا استطاع جبرا ان يقدم شهادة اعتز بها حول "مدن الملح" فاظن انه لن يكون الا راضيا عن محاولة الاجتهاد التي قدمتها عن مجتمع يعرفه جيدا، وقد عاش الجزء الاكبر من حياته فيه، ويعرف التفاصيل والمناخات التي حاولت الاقتراب منها. * "مدن الملح" جاءت في خمسة أجزاء و "أرض السواد" في ثلاثة، الا ترى ان مواصلتك كتابة رواياتك بآلاف الصفحات يتعارض مع ايقاع القراء الذين يفضلون قراءة الاعمال الروائية ذات الصفحات القليلة او المتوسطة العدد؟ - هناك موضوعات كبيرة ومتشعبة لابد من اعطائها ما تستحق من الاهتمام وحتى التفاصيل، وهذا ما دعا الى ان تكون "مدن الملح" ثم "أرض السواد" بهذه الحجوم، صحيح ان ايقاع العصر في المرحلة التي نعيش فيها اصبح اكثر سرعة، واكثر تطلبا لكن هناك أعمالا على المستويات كافة تقتضي المعالجة الدقيقة والكاملة، نرى ذلك في اعمال جواد علي، علي الوردي، عبدالوهاب المسيري، وحسن حنفي وآخرين كثيرين، ورغم كبر حجم هذه الاعمال الا انها تلقى من الاهتمام الكثير، لانها اعادة قراءة المرحلة بعين مدققة فاحصة، ومحاولة تقديم كتلة من التفاصيل، والتي هي بمثابة اعادة قراءة للمجتمع من كل وجوهها. الرواية اليوم تعتبر رأس حربة تتناول المشاكل الكبيرة والساخنة، وهذا اقتضى ان تبذل جهود كبيرة وبأشكال متعددة من اجل معرفة الجذور الحقيقية للمشاكل والهموم التي نعاني منها، ولان الرواية نذرت نفسها لهذه المهمة، فقد اصبحت مطالبة ان تنزل الى أعماق المجتمع، وخاصة الى القاع من اجل قراءة جديدة وجادة، لان الكثير مما يكتب ويقال لا يعدو ان يكون محاولات تمويه وتزوير للحقائق. اعترف بأن التعامل مع الرواية مهمة كبيرة، لكن مع ذلك احس ان الكثيرين يكتشفون في الرواية أشياء أساسية، ويتعرفون بعمق على واقع، رغم قربه، الا ان اجزاء كثيرة منه مجهولة او مغيبة. والرواية الكبيرة، لانها تستند الى بنية فنية محكمة فانها بمقدار ما تعرف، فانها تمتع وتخلق اسئلة، وتولد انفعالات، الامر الذي يجعل التعامل معها ممكنا وفي أحيان كثيرة مرغوبا. ولقد لاحظت أن "مدن الملح" رغم حجمها الكبير فلم يكن هناك أي تردد في التعامل معها، واكتشف الكثيرون من خلالها عالما كان مجهولا الى حد كبير، وبالتالي خلق معرفة، الكثيرون في حاجة اليها. حتى في اوروبا نجد ان الرواية الكبيرة ما تزال تحتل مساحة كبيرة، وتلعب دورا مهما ورغم الادعاء بأن ايقاع العصر قد تغير، فاننا نجد ان مثل هذه الروايات ما تزال تلعب دورا أساسيا. ورغم وسائل التعبير الجديدة، وخاصة المرئية، فان الكثيرين مايز الون يقبلون على الرواية بغض النظر عن حجمها، ان الحجم عامل ثانوي في التعامل مع الرواية، وكثيرا ما سمعت من يطالب بجزء سادس لـ"مدن الملح" مثلا، او انآخرين يشعرون بنوع من الغبن، لان الرواية انتهت، وعليه، فان الموضوع هو الذي يحدد الحجم، وهو الذي يحدد علاقة القارئ بالعمل الذي يقرأه. ولان وسائل التعبير متعددة، فما تزال هناك فرصة لان يختار القارئ ما يعتبره أكثر تلبية لمزاجه، وبالتالي تكون هناك حالة من التفاعل والتكامل بين هذه الوسائل.

* اذن، هل يمكن وصف مشروعك الروائي في خماسية "مدن الملح" وثلاثية "أرض السواد" بانه بمثابة اعادة اعتبار للرواية الملحمية؟

- مسألة الملحمية في الرواية تتحدد بطبيعة الرواية اكثر مما تتحدد بحجمها، ولا شك في أن الفكر الملحمي حالة متقدمة وقادرة على الايصال، ويمكن ان تلعب دورا أساسيا خاصة وان في تاريخ منطقتنا من الملاحم الكثير. اعتبر ان كل نمط من أنماط الرواية يشكل اضافة مهمة للرواية، وعليه فان تحديد الصفات يأتي لاحقا، ويمكن ان يجري التصنيف مستقبلا من قبل النقاد ومؤرخي الفن. وعندما يكتب الروائي عملا يحاول قدر الامكان ان يبذل اكبر جهد من أجل اعطائه ملامح تميزه عن غيره، وبالتالي يعطيه حدودا تمكن في النتيجة من وضعه في خانة معينة.

* حملت رواياتك منذ البدء ملامح أولى لمشروع تنويري كبير وطموح، هل مرد ذلك الى هجسك الدائم بدور الادب ووظيفته؟

- قضية التنوير كانت وما تزال هاجسا كبيرا بالنسبة للمثقفين، بغض النظر عن وسيلة التعبير التي يعتمدونها من اجل ايصال الافكار والاحلام، وبلورة رأي عام، ومواقف حول قضايا أساسية، ويمكن ان تقود من خلال التراكم الى تركيز الفكر والادب حول قضايا معينة. وحين اعتمدت الرواية وسيلة للتعبير لم يكن هذا الهاجس غائبا عني، وبالتالي حاولت قدر الامكان التقاط القضايا والهموم الاكثر الحاحا، وباسلوب روائي يعتبر الجانب الفني أساسيا في تقديم صيغة روائية، بمقدار ما تحمل من هموم فانها تحرص بالقدر نفسه ان تقدم صيغة فنية لما يراد التعبير عنه، ولذلك حاولت قدر الامكان ان أقدم رواية مكتملة من الناحية الفنية، تتناول القضايا الاكثر أهمية والحاحا، فكان موضوع السجن السياسي، وموضوع تأثير النفط على المنطقة، ومواضيع مثل العقلانية وقراءة المجتمع قراءة موضوعية ووضع أولويات لما اعتبره أكثر ضرورة. ان الرواية الجيدة هي لبنة في مسار التنوير والتراكم من اجل خلق وعي اكثر تقدما، وحين يتراكم هذا الوعي ويترافق مع حساسية فنية يمكن ان يساهم في خلق المواطن الاكثر معرفة، والاكثر حساسية في التعامل مع المشاكل المطروحة. ان قضايا التنوير، وما يسمى النهضة والحداثة مطروحة على الفكر العربي، وعلى المجتمع العربي منذ القرن التاسع عشر، ولقد ساهم المبدعون، على تعدد وسائل التعبير، في تناول القضايا الساخنة، وفي رسم ملامح المشروع التنويري الذي يمكن ان يساهم في اقامة الصلة بين العرب والزمن الذي نعيش فيه. كانت محاولات الرواد في مصر وبلاد الشام وغيرها ذات اسهام في لفت النظر، وتقوية البصر والبصيرة من أجل الوصول الى روح العصر والالتحام مع القضايا التي يمكن ان تمهد الطريق الى المستقبل. كانت محاولات محمد عبده، والافغاني وشميل اليازجي وآخرين كثيرين محاولات رائدة، وان كانت فشلت او توقفت في فترات معينة، مما يجعل مهمة الاجيال اللاحقة منصبة على الاتصال بروح الافكار التي طرحها الرواد وايضا تناول القضايا التي جدت بعد غيابهم. وهكذا نرى ان الصحافة والمسرح والرواية والكتابة الفكرية تهدف الى تحريك هذا المستنقع، والى خلق الاهتمام بالامور الاساسية ومعاودة الاتصال بروح التنوير.


و ..

امرأة مقهورة تنتظر رجلاً من وراء الحدود

" ابحثوا في عقول الذين ينزوون في المقاهي لا يكلمون احدا , وإنما يُراقبون المواكب التي تمرّ، وترتسم على شفاههم ابتسامات حزينة، ابحثوا هناك لعلكم تجدون بداية لتاريخ حقيقي ! "


" أنا مجرد انسان يبحث عن البقايا الشريفة في الناس قبل ان تسحق وتتلاشى "

" الجنون قمة اللذة !"

"جيلنا لم يعط نفسه حتى فرصة الخيال، ان يتخيل ببناء مدن سعيدة. بهدم هذا العالم المتوحش الكئيب. هذه المتع الصغيرة التي يحسها أي حشاش لم ينعم بها هولاء الصغار. انهم يركضون وراء امور يخجل حتى الذين تجاوزوا المائة سنه من التفكير فيها! انتهوا قبل ان يبداوا هولاء الصغار"

" ان نتأمل الحياة دون ضجة او شكوى.ربما يكون ذلك أفضل المواقف . الا نشارك في الاشياء ولكننا انذاك ونحن نتأملسنفهم ان الحياة ليست سوى مزاح ثقيلمزاح مبتذل وبليدولعب اخرق بالالفاظ"

"لا يستطيع الرجل ان يفكر باتزان إذا لم تكن المرأة قريبة منه إن عقله يختل، ويصرف وقتاً طويلا في حل امور صغيرة"

"لماذا تزداد حالة الانسان بؤساً يوماً بعد آخر في الارض التي يسمونها الوطن "


الأشجار واغتيال مرزوق
أرتميس

شرق المتوسط ~

مع كل قراءة في رواية أتعرف على وجوه جديدة. شخصيات من مختلف التوجهات والأفكار, يحملون أفكار متصادمة, لا يمكن وجود اتفاق فيما بينها. منهم من يحمل الخير, والشر. شخصيات مستضعفة, حزينة, متهورة, مجنونة, محققين ورسامين, وعشاق, وقتلة, ومنحرفون , وشواذ . استبداديون, ومتطرفون, وارهابيون. رجال دين, ورجال مخابرات, امرأة جميلة, وقحة, راقصة .. الخ . من كل الأنواع والأصناف البشرية موجودة في أغلب الروايات .تمر على القارئ عدد هائل من الشخوص الروائية, وقليل منها من يبقى في الذاكرة لتجسيده في الرواية دوراً لا يمحى من ذاكرة القارئ . على عدد قراءتي للروايات, لم يثير اهتمامي إلا عدد قليل من الشخصيات. لازلت أتذكرهم, وأعود أحياناً لقراءة أجزاء من ماقالوه. من هذه الشخصيات : شخصية رجب, السجين السياسي في شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف.المصافحة الأولى لي مع عبدالرحمن منيف كانت مع شرق المتوسط. يصعب على القارئ حين يقرأ رائعة منيف شرق المتوسط أن يخرج عن نطاق تأثيرها لبعض الوقت, الترقب يزداد كلما تقدمت الصفحات وقل الباقي منها عن ماذا عساها الأحداث أن تسفر؟ السجن السياسي موضوع هذه الرواية. شخوص هذه الرواية الأساسية "رجب" وشقيقته "أنيسة"تبدأ "شرق المتوسط" بمظهرين متناقضين. الأول مشرق متفائل: إيراد مقتطفات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسفينة "أشيلوس" التي تمخر عباب البحر متجهة إلى اليونان. والثاني ساخر مرير متشائم: يعبّر عنه "رجب إسماعيل" وهو يخاطب السفينة أيلوس بنبرة تقترب من العدمية.أحداث الرواية تتابع منذ اللحظة التي وقَّع فيها رجب على اعتراف داخل السجن فنال حرية بدنه وخسر كل معنوياته وثقته بنفسه. وتتسلسل الأحداث بعد ذلك على شكل بكائية ندم وتبرير، وحوار داخلي ,هل كان عمله صحيحاً أم لا ؟ وبين اللوم والتقريع والتبرير، يعيش رجب ما بقي له من أيامٍ قليلة فهو بعد أن خسر اعتداده الشديد بنفسه ونضاله، يسقط في فراغ العدمية والشعور بالتفاهة المتناهية.أين مارس عبدالرمن منيف مظاهر الرؤية الفجائعية في رائعة شرق المتوسط؟ في الفصل الثالث من الرواية, تدور أحداث الرؤية الفجائعية على ظهر سفينة أشيلوس. لم يكن السرد الروائي على لسان رجب هادئاً جافاً. بل كان أقرب للهذيان والجنون وتصوير الاوضاع المزرية بصورة أقرب للعدمية والخيال. كان رجب يحادث السفينة.. يلعن الناس على ظهرها .. يخاطب فيها روحه التي فقدها بعد أن باع كرامته لحظة توقيعه اعتراف السجن.. يبحث معها عن أرض تستحق أن تكون أرضاً لحرية, لا أرض يصحى فيها الإنسان على أقدام رجال المخابرات. الفصل الثالث من الرواية لا يمكن أنساه. كان التصوير الفني مذهلاً لا يكتبه إلا مجنون. بعد أن انتهيت من هذا الفصل لا يمكنني أن أصف الراوي إلا بالمجنون.
* من أجمل القراءات عن رواية مدن الملح هي للزميلة غموض المساء :
يوسف

الثوري : عبدالرحمن مُنيف

إنتهيت قبل قليل بعد الإفطار مباشرة ً من النهايات لعبدالرحمن مُنيف .إنّّها مرثية عميقة الأنغام للجنة التي بقيت حاضرة في أذهان القرية , اذ راحت ارضها تشح , ومياها تقل وهم يتشبّتون بهذه الحبيبة *

* جبرا ابراهيم جبرا

الصحراء كـ مُتخيل روائي لدى عبدالرحمن منيف , أخذ منيف تخيل الصحراء وصفها كمُتخيل لرواياته العديده , كان دخُول الصحراء في روايته النهايات والوصف العبقري الذي يتسم بهِ لهُ دور كبير في إخراج الرواية بهذا الشكل , قرية طيبة وهي إحدى قُرى الجزيرة العربية وصفها , وصف الحدود الموازية لها والتضاريس الطبيعة , وصفا ً دقيقا ً يجعلك تعيش وسط هذه القرية أو على أطرافها .طبعاً قُرى جزيرة العرب لا ينطبق عليها ما ينطبق على القُرى الموجودة في سوريا أو فلسطين التي تتسم بالخضرة الدائمه , وبالمراعي الغنّاء إنما هي قرية صحراوية كالأرطاوية في نجد وكـ رّماح , فهي قرية صحراوية ولكن قرية الطيبة في النهايات لمنيف كانت تتسم بغير ذلك , كانوا يريدون بعضا ً من التطور كانوا فقط يريدون سدا ًلأن قلةِ المياه , وجدّب الأرض جعلتهم صعبين المزاج.الحنين الموجود في الرواية , للقرية من أبناء القرية الذين خرجوا للمدينة بحثاً عن العمل والرزق , لا تتوارى عنهم صورة الطيبة تلكْ القرية الصحرواية , العشق لها ولتربتها , مع جوها القاسي ولكن يبقى العشق للموطن , وللقرية التي ولدوا فيها .عبدالرحمن مُنيف أُريد أن أسميه بالثوري فأنهُ يستحق ذلك قد قرأت لهُ سابقاً شرق المتوسط , وخماسية مُدن الملح , والآن أنتهي من النهايات , الثورة موجودة في كل رواية قرأتها لهُ على الحكومة وعلى الحكومات كـ وجه عام ففي شرق المتوسط كان يتفجر على الحكومات العربية وسُبل التعذيب وطرقها وأستخدامها في أستجواب المساجين السياسين , وبعد ذلك آتى بالمُذهله كما أحب أن أسميها وهي مدن الملح , فكان يصف الصحراء والتفجر في وادي العيون بقيادة متعب الهذال " الثوري " ! الآخر في روايته لا يُريد أن شيء يتغير لأن وادي العيون هو كان النبعة الخضراء في الصحراء , فقاوم متعب الهذال , إلى أن وصلنا إلى الأخدود , وشمران العتيبي , وصالح الرشدان وهؤلاء ِ الناقمين على الحكومة ! إلى النهايات , وسُكان الطيبة فقد كان فكان المُختار عندما توفى عساف يُريد إن يذهب للمدينة ويريد أن يُطالب بالسد كـ حق مشروع لهم في هذه القرية وقد قال : - لن أعود إلى الطيبة مرة أُخرى إلاّ لأحمل بندقية وأبقى في الجبل , ومن هناك ومع الآخرين سوف نعمل شيئاً كثيراً غير الصيد . أمَّا إذا وافقوا على بناء السد فسوف أعود على ظهر بلدوزر لكي يبدأ العمل ولكي تبدأ الطيبة تعرف معنى الحياة بدل هذا الموت الذي تعيشه كل يوم . هكذا تحدث المُختار في نهاية الرواية وكأنه يُريد أن يتفجر ثورة ً ولا يُريد أن يوافقوا فأسلوبه بدأ بالتهديد , لأن هُناك رجلاً مات وقد ثاروا من أجله! , هل يجب أن يموت الأشخاص لكي تُقوم ثورة , وتزداد المطالب , هل يجب التضحية لكي يحصل الأُناس على مطالبهم ؟ هُناك أسألة كثيرة تخرج من أوراق الدكتور عبدالرحمن منيف , تجعلك تثور على كُل شيء حولك تجعلك ترى أن كُل شيء حقاً مغتصب لك يجب أن يُعود .

عبدالرحمن مُنيف .. أُحبك وأكثرر - رحمة اللهِ عليك - .


محروت

كيف عرفت عبدالرحمن المنيف؟ ( 1 - 2 )

في أحد اللقاءات الأخوية وبالتحديد في منزل الدكتور سعد البازعي حوالي عام 1405هـ حيث احتفل بزيارة الدكتور أحمد الشويخات الذي كان قد عاد لتوه من الدراسة خارج المملكة وهو أحد منسوبي جامعة الملك فيصل بالأحساء. جمع اللقاء عدداً كبيراً من الأدباء الشباب أذكر منهم الأساتذة سعد الدوسري وصالح الأشقر وعبدالإله البابطين ومحمد رضا نصر الله وعبدالله الصيخان وعبدالكريم العودة إلى جانب المحتفي والمحتفى به.كان الحديث يدور حول عملين أدبيين جديدين لم أسمع بهما من قبل: الأول (اللجنة) لصنع الله إبراهيم، والثاني (التّيه) لعبدالرحمن منيف. فأصدقكم القول أن الحديث شدني: إذ كيف يتحدث الموجودون عن أعمال لم أعرف بها من قبل وبالذات عبدالرحمن منيف كأحد أبناء هذ الوطن وله حضور بارز في الأوساط الأدبية في الخارج وبحكم عملي في القسم الأدبي بالشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب بحثت عن الروايتين واستعرتهما من أحدهم وقرأتهما، وقد وجدت في (التيه) قصة تاريخية تشد القارىء وبحكم عملي في السابق بالمنطقة الشرقية وما سبق أن سمعته وشاهدته في (سعودي كنب) و(انتر مذت) و(الكانتين) ذي البضائع القادمة مباشرة من أمريكا والتي تباع بسعر مخفض كما يقولون للعمال وذويهم، ومطاعم العمال وما قبله أبو ربع ريال والسينما الشعبية وغيرها.الحقيقة أن الرواية شدتني ولم أستطع النوم قبل إكمالها.سافرت في العام التالي للمشاركة في معرض ثقافي متجول في سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وفي زيارة لإحدى مكتبات أبو ظبي إذ هم يفتحون طرودا قادمة للتو من لبنان وإذ فيها (الأخدود) الجزء الثاني من خماسية (مدن الملح) لعبدالرحمن منيف واشتريت عدداً من نسخها أهديت بعضها لمن سبق أن أعارني الجزء الأول من الرواية.بدأت أبحث عن رواياته الأخرى حيث وجدت في مكتبة دار العلوم بالرياض النهايات.. وعالم بلا خرائط.. وسباق المسافات الطويلة، وحصلت على بقية رواياته كقصة حب مجوسية.. وحين تركنا الجسر.. والأشجار واغتيال مرزوق، واعجبت بالرجل وثقافته واسلوبه الروائي السهل الممتنع.في هذه الأثناء بدأت أجمع ما يقع عليه نظري من كتابات سواء في الصحف والدوريات أو بعض الكتب التي يشترك في تأليفها أو يشارك بمقال أو بحث خصوصا بعد أن قرأت ما كتبه الفنان راشد الشمراني في مجلة اليمامة بالعدد 872 في 1111406هـ حيث وصف لقاء عبدالرحمن المنيف في دمشق من خلال أمسية أدبية هناك وكيف قابله مع بكر الشدي وقدم له ديوان محمد الثبيتي (تضاريس) والذي أخبره بأنهم في شوق لمجالسته فأجابه ليس كشوقي وهو يودعه أخبره بأنه قد انتهى من الجزء الثاني من (الاخدود) وبطلها اسمه (الشمراني) قالها وهو يضحك.وكذا ما نشره الشاعر عبدالله بن عبدالرحمن الزيد في اليمامة أيضا بالعدد 950 في 1081407هـ والذي قال عنه(.. هذا الفنان يمتلك في تكوين كتابته أن يجعلك تضحك وتبكي وتنتشي وتتألم حتى لا يحدك كون وتكتب حتى يضيق بك تكوينك الشخصي.وتمتد في رحابة حلمك وتتقد في جحيم غضبك.. كل ذلك في ليلة واحدة وبعمل واحد).أقول بدأت أجمع ما أعثر عليه من مقالات ومستلات حتى بلغت ثمانين عنواناً خلاف مؤلفاته الروائية. إذ لم أعرف بعد أن له مؤلفات اقتصادية وبترولية.ذهبت لمعرض الكتاب بدمشق عام 1412هـ وكان عبدالرحمن منيف يتواجد في جناح دار الفكر الجديد حيث صدر له منها مؤخراً كتاب (الكاتب والمنفى.. هموم وآفاق الرواية العربية) وهو عبارة عن مقالات ومحاضرات ودراسات وحوارات معه في فن الرواية.. قابلته وعرّفته على نفسي.. وتكرر اللقاء.. وكان أحدها في احد مطاعم الربوة بدمشق بحضور بعض الناشرين فتعمقت العلاقة أكثر حيث دعاني في السنة التالية إلى منزله في حي (المزة) وكان شغوفا بالاستماع إلى أخبار المملكة وجديدها في مجال النشر شعراً أو رواية أو نقداً.قلت له إنني من المعجبين بما تكتب وقد جمعت عددا لا يقل عن مائة عنوان من الدراسات والبحوث والمقالات والمقابلات وعددا من محاضراتك التي لم تجمع في كتاب. وإنني عندما رأيت كتابك الأخير (الكاتب والمنفى) وبه بعض تلك المواضيع خفت أن يفشل مشروعي، فضحك وقال: هل تحب أن نتبادل المواقع؟وفي لقاء آخر قال: أنت مثل ابن جني وأنا مثل المتنبي .. فأنت أعرف بشعري مني.كنت أسكن في قرية بين دمشق وحمص تدعى (دير عطية) وتبعد 80كم عن دمشق فكان يزورني بمعدل زيارة في كل سنة،بعد أن أزوره في منزله ويكون بصحبته ابنه هاني أو ابنته عزة وأحياناً الناشر الفلسطيني حمزة برقاوي صاحب دار النمير ومرة جاءت معه زوجته سعاد قوادري.. والحقيقة أنه كان جاداً في حديثه دقيقاً في مواعيده.عندما عرف أن عملي قد انتقل إلى مكتبة الملك فهد الوطنية قبل عشر سنوات، وإنني بدأت أسجل مع كبار السن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة) طلب مني وبإلحاح أن اهتم بالتسجيل مع ثلاثة أشخاص هم الشيخ حمد الجاسر وعبدالله الطريقي رحمهما الله وعبدالكريم الجهيمان، وأضاف أن التاريخ الحقيقي لم يكتب بعد وهؤلاء من شهود العصر.. وقد فرح في العام التالي عندما زرته بمنزله وبرفقتي الأستاذ الجهيمان حيث أهدى له الأمثال والأساطير الشعبية.ذكر لي مقابلاته مع الشيخ حمد الجاسر أثناء إقامته ببيروت، وفرح وشكر وعندما بعث له الأستاذ فهد العريفي معي مجلدا يضم ما نشر من سوانح الذكريات في المجلة العربية قبل 9 سنوات.. وقبله ذكر أن لعبدالله الطريقي فضلا عليه فقد نبهه عند زيارته للمملكة عام 1959م وهو في طريقة إلى يوغسلافيا للدراسات العليا إلى أهمية أن يتخصص في (اقتصاديات النفط) واستمرت علاقتهما بعد عودته من يوغسلافيا وعمله بين سوريا ولبنان، وقال منيف في رثائه للطريقي عام 1997م:(..إن ما يذكر الآن ليس تاريخا لعبدالله الطريقي فالرجل يستحق الكثير من (القراءة) و(البحث) لأن من خلاله نقرأ كبرياء مرحلة، وما جرى فيها من أحداث وتبين أن هناك رجالا سبقوا عصرهم، وقالوا قولا هاما وجميلا لكل الآخرين لم يسمعوه أو لم يستوعبوه بشكل كاف، ولذلك كانت الخسارة مضاعفة، فلم نأخذ بما قالوا، ولم يعطوا ما يستحقونه من عناية واهتمام.. وقال عنه في ختام رثائه له في جريدة السفير في 18 91997م ولأن التاريخ العربي المعاصر لا يحسن قراءة الأحداث والوقائع أو لا يعطي الناس استحقاقاتهم فقد تسلل الموت بصمت، في العتمة، وانتزع واحداً من أبرز أبناء الجزيرة العربية، والذي حاول أن يعطي المنطقة والمرحلة ما هي جديرة به، وما تسستحق.قد يأتي يوم وربما غير بعيد يكتشف الكثيرون أهمية الطريقي الذي مضى بصمت.قبل ثلاث سنوات ونصف التقيته وكان بصحبتي الأخ أحمد الدويحي في إحدى أماسي معرض الكتاب بدمشق بالصدفة وكان للتو قد صدرت له روايته الأخيرة (أرض السواد) فجلسنا بالمقهى ودار حديث ودي جميل استطاع الأخ الدويحي أن يستثمره بلقاء صحفي مطول في يوم آخر نشره في جريدة البلاد في العدد 16176 بتاريخ 15 شعبان 1421هـ كما أعاد نشره في مجلة (أدب ونقد) القاهرية.سألت عنه في العام التالي فقالوا إنه ذهب إلى الأردن لمراجعة طبيب إذ كان يشكو من بعض الأمراض ولم استطع مقابلته.في العام الماضي أو على الأصح في صيف عام 2002م سألت عنه فعرفت أنه قد أصيب بفشل كلوي وأنه يغسل مرتين في الأسبوع فهاتفته فردت عليّ زوجته معتذرة عن اللقاء إما لعدم وجوده وإما لنومه.. فوسطت صديقه حمزة البرقاوي ورجوته أن يحادثه شخصيا ويحدد لي موعداً للسلام عليه قبل السفر وفي الأيام الأخيرة من أيام معرض الكتاب اتصل بي حمزة قائلاً إنه بانتظارك بعد عصر غد.. وهكذا قابلته.. وكان فعلا مريضا وقد هزل جسمه وترك (الغليون) الذي كان لا يفارقه.. وقال ضمن ما قال إنه منذ سنة لم يمسك القلم وانه لا يعرف طريقه إلى المكتبة.. ولكن وبعد أن استقرت حالته وتعوّد على (الديلزة) الغسيل في أوقات محددة فسوف يحاول استعادة لياقته والجلوس في المكتبه ليهيىء نفسه للكتابة.قلت له إنني كما سبق جمعت بعض الدراسات والمقالات التي لم تنشر فما رأيك لو عملت كتيباً على شكل (ببليوجرافيا)؟هل أجد لديك ما أضيفه إلى ما سبق جمعه؟ فطلب من زوجته تزويدي بكتاب عبدالرزاق عيد (معرفة العالم تعني إذابة صلابته.. قراءة سو سيو دلالية في (مدن الملح) والتي صدرت عن دار الأهالي بدمشق حديثاً وقال إنه لا يستطيع تزويدي بشيء لعدم معرفته بأماكن ما أريد من المكتبة بسبب هجره لها لمرضه.ولكنه ذكر لي اسمين هما ماجد السامرائي ببغداد ويوسف عبدالأحد بدمشق وذكر انهما يفكران تفكيري نفسه ولديهما كما قالا مجموعة من هذه المواضيع. ودعته واتصلت في اليوم التالي بيوسف عبدالأحد وذكرت له ما أريد فقال إنه لن يستطيع إفادتي قبل ثلاثة أسابيع أو أكثر لوجود تلك المواد في أماكن متفرقة.. وعندما ذكرت له انني مسافر بعد يومين اعتذر .. عدت وأنا عازم على تنفيذ ما فكرت به خصوصا وقد وجدت انه يطل على السبعين من عمره فوجدتها فرصة مناسبة حتى لا يكون مرضه هو السبب.. جمعت ما لدي من كتبه وما كتب عنه فحصرتها.. وتصفحت الدوريات العربية الموجودة في مكتبة الملك فهد الوطنية وفي مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية والبحوث فوجدت أكثر من ثلاثمائة موضوع.. مع عدد لا بأس به من الشهادات التي قيلت في مناسبات مختلفة عن المنيف.. إضافة لما سبق أن كتب عن عائلته في كتب التراجم والأنساب وأعانني الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن صالح الهلابي برواية شفهية عن كيفية مغادرة والده إبراهيم قريته (قصيباء) بعيون الجواء مع قوافل العقيلات قبل حوالي مئة وثلاثين عاماً.حرصت على أن يشتمل الكتاب على شهادات أبناء المملكة وما سبق أن كتب عنه في صحافتنا فقد كتب عنه، فايز أبا وراشد الشمراني ومحمد الدبيسي وعبدالله عبدالرحمن الزيد وأحمد الدويحي وهاشم الجحدلي وعبدالعزيز السنيد وعبده خال.وقد ذكر لي البعض أن لهم دراسات ومقالات سبق نشر بعضها وعند البحث عنها لم يجدوها لضيق الوقت ومنهم الأساتذة معجب الزهراني وفوزية أبو خالد وعلي الدميني وأحمد عائل فقيهي وغيرهم.
كيف عرفت عبدالرحمن المنيف؟ ( 2 )
لقد استعجلت في طبع الكتاب خوفاً مما يخبئه القدر.. وهكذا بمجرد أن علمت بصدور الكتاب من دار الكنوز الأدبية ببيروت وأن الناشر قد بعث إلى الأستاذ عبدالرحمن منيف بمئة نسخة منه اتصلت به فردت عليّ زوجته شاكرة هذا العمل المفاجىء الجميل وقالت فيما قالته إن هذا الكتاب قد أراحهم من كثرة أسئلة الباحثين إذ كانوا يبحثون ويجمعون ما يجيب على اسئلتهم أما الآن فبمجرد اتصال أحدهم بهم فإنهم يسلمونه نسخة من هذا الكتاب الذي سميته (ترحال الطائر النبيل).بعد مكالمة زوجته أعطتني الأستاذ منيف فشكرني أيضا..زرته في بداية الصيف الماضي.. وقلت له إنني أنوي إعادة طبعه وإنني بحاجة إلى إضافة ما لم أستطع الحصول عليه.. وذكرت له أنني باسم مكتبة الملك فهد الوطنية أرغب في تسجيل لقاء ولو قصير للاحتفاظ به ضمن برنامج (تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة) فاعتذر لمرضه مؤملاً أن تتحسن صحته ويتمكن من تحقيق رغبتي في الزيارة القادمة أثناء إقامة معرض الكتاب في نهاية الصيف.وقلت له إن الصحفي هاشم الجحدلي يرغب في لقائك لينشر في جريدة عكاظ شيئا من سيرتك الذاتية مثل ما سبق أن عمل عن عبدالله القصيمي فطلب أن يطلع على الحلقات المنشورة عن القصيمي أولا: فطلبت من الجحدلي أن يبعث له بصورة مما نشر، ولكنه تأخر إذ أحضرها معه أثناء المعرض، وقد سلمني رسالة دكتوراه لم تناقش وهي بعنوان (أزمة التطور الحضاري في روايات عبدالرحمن المنيف) اطروحة أعدت لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها للطالب صالح إبراهيم، إشراف خليل أبو جهجه (بيروت عام 2003م) وقال إنه يمكنني أن استفيد من مراجعها والمعلومات التي استندت عليها عند إعادة طبع الكتاب.أعدت له الأطروحة عند زيارتي الأخيرة له بصحبة الأخ هاشم الجحدلي مساء 1 أكتوبر 2003م في منزله حيث أخذ له وزوجته وحفيده مجموعة من الصور وقال بعد أن اعتتذر عن التسجيل إنه بصدد كتابة مذكراته وحتى لا تحرق عليه فهو لا يمانع من نشر أي شيء سبق نشره في الكتب والصحف أما أن ينسب شيء عنه أو معلومات لم يسبق نشرها فلابد من عرضها عليه مسبقاً، وهكذا أمضينا أكثر من ساعة بعد أن استمع لنا واستمعنا له، وسجل هاشم الجحدلي بمفكرة معه بعض الملاحظات والتواريخ، وقال منيف عندما أخرج الجحدلي مفكرته من جيبه: بدينا، ما قلت انني لن أتمكن من التسجيل معك، فرد عليه: هي مجرد أخذ بعض المعلومات البسيطة.وبحكم حس الجحدلي الصحفي فقد بحث عن بعض أصدقاء وأقارب منيف وأخذ منه بعض المعلومات وسجل مع بعضهم مثل شقيقته حصة التي تسكن في الطابق الأعلى من مسكن عبدالرحمن، وكذا يوسف عبدالأحد وحمزة برقاوي، وبعد عودة الجحدلي للمملكة اتصل بأخت منيف الكبرى نورة التي تقيم بتبوك وأبناء إخوته وغيرهم، وبدأ بعد أسبوع من عودتنا من دمشق ينشر بعكاظ سلسلة من الحكايات تحت عنوان (حياتهم الأسرية) عبدالرحمن منيف بدوي في (أرض السواد) استعادة الرحلة التيه من وادي العيون إلى شرق المتوسط.بدأ نشر هذه السلسلة اعتباراً من يوم السبت 22 شعبان 1424هـ الموافق 28 أكتوبر 2003م وكان يتحدث عن أصل المنيف وكيف سافر والده مع العقيلات إلى بلاد الشام والعراق وفلسطين وكيف ولد وأين نشأ ودرس وعن إخوته وأخواته وأبنائهم وعن الوصي وبعض التفرعات الأخرى اخذها من أختيه حصة ونورة وأبناء إخوته ومن الكتب، وفوجئت بالحلقة العاشرة التي نشرت يوم الأربعاء 3 رمضان أن يكتب في أعلى الصفحة أنها الحلقة الأخيرة.. رغم أنها تتحدث عن انتقاله من عمان إلى بغداد للدراسة فلم يتحدث عن نشاطه السياسي ولا عن أعماله الأدبية الأخرى.اتصلت بالجحدلي مستفسراً فقال إن منيف قد احتج على ما نشر ونشرت بعض الصحف بيانا يستنكره.فوجدت أن أغلب الصحف العربية من سوريا ولبنان ومصر والأردن وغيرها قد نشرت بيانا يقول فيه:بدأت جريدة عكاظ السعودية في الرياض نشر ما أطلقت عليه عنوان: (السيرة الذاتية لعبدالرحمن منيف)، بدأت الجريدة المذكورة بالنشر من تاريخ 19 102003م وقام بتحضير هذه المادة الصحفي هاشم الجحدلي، الذي سبق أن مر عليّ في دمشق قبل فترة قصيرة محاولاً إجراء مقابلة، وقد رفضت وحذرته من نشر أي شيء متعلق بالسيرة، لأنني أنوي القيام بهذه المهمة المتعلقة بي وبسيرتي الشخصية بنفسي، لكن المذكور بدأ النشر في التاريخ اعلاه إلى أن نُبِّهت بعد الحلقة السادسة، وطبعاً فوجئت وبعثت طالباً وقف النشر والاعتذار للقراء من قبل الجريدة تحت طائلة المسؤولية وإمكانية الوصول إلى المحاكمة، لكن المماطلة استمرت ونشرت حلقات إضافية مما أكد الإساءة وإلحاق الأذى بي نظرا للأخطاء الفادحة والمعلومات الجزئية وغير الدقيقة التي تضمنتها تلك الحلقات العشر المنشورة.لقد سبق أن نبهت الصحفي المذكور انني أمنع الخوض في السيرة،والاستجابة لأي سؤال يريد الكلام فيه، ولأكثر من سبب، لكن تجاوزه لهذا التحذير الواضح وإصراره على النشر، دون إعلامي وموافقتي وإطلاعي أولا، يضطرني الآن إلى ادانة هذا التصرف بداية، وإلى الإعلان أن أغلب ما نشر ملفق ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، وأتوقع من الصحافة العربية أن تساند موقفي بإدانة مثل هذه المواقف والتعديات أما بالنسبة للكاتب المذكور والجريدة التي نشرت فسوف ألجأ إلى القضاء كي يقف حكماً بيننا.أرجو اخذ العلم وشكراً.عبدالرحمن منيفوكان لقائي به مع الأخوين هاشم الجحدلي وصالح بوحنية مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام سابقاً مغرب يوم الأربعاء الخامس من شعبان الموافق للأول من اكتوبر 2003م هو آخر لقاء به، وسبق أن قال إن هناك طبيباً مشهوراً بألمانيا سوف يذهب ليستشيره في رمضان ويعود عن طريق القاهرة لحضور مؤتمر الرواية العربية الثاني.سمعت من ابن أخيه الدكتور إبراهيم عبدالله المنيف في شهر ذي القعدة الماضي أنه اتصل بعمه وأن زوجته قالت إنه مريض ولا يستطيع محادثتك.وفي القاهرة اثناء إقامة معرض الكتاب وفي صباح يوم السبت الثاني من ذي الحجة 1424هـ الموافق 14يناير 2004م فاجأني الصديق أحمد الدويحي معزياً بأبي ياسر.اتصلت على الفور بأخته حصة بدمشق معزيا فشكرتني وقالت إن التشييع سيتم يوم الثلاثاء من مستشفى الشفاء بدمشق.وكان هذا اليوم السبت من الأيام الكئيبة في معرض الكتاب بالقاهرة.. قام الناشرون العرب وبعض الأدباء بتبادل التعازي، والإشارة إلى ذلك من خلال الندوات المقامة على هامش المعرض.بعد نهاية التشييع اتصلت بالدكتور ماجد بن عبدالله المنيف ابن اخيه الذي أعرف انه ذهب مع اخوته لحضور الدفن وتقديم واجب العزاء بدمشق معزيا وبعد ذلك اتصلت بزوجته بعد عودتهم للمنزل لتعزيتها وأبنائها.. رحم الله عبدالرحمن منيف وتجاوز عنا وعنه.وهكذا ذهب عبدالرحمن منيف كما ذهب قبله بثلاث سنوات ونصف السنة عبدالعزيز مشري وكلاهما بسبب خطأ طبي.. إذ كانا يشكيان من بعض الآلام.. فوصف لهما الطبيب دواء مضاعف المفعول مما أفشل لهما الكلى.. رحمهما الله.
محمد عبدالرزاق القشعمي ألقيت هذه الورقة في خميسية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله حول تجربة منيف
الروائية.

الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

عبد الرحمن منيف كدّس لنا كنوز العقل الروائي الرائع



تبينتُ جلية عبد الرحمن منيف عن قرب ولمدة خمسة أعوام ٍ فعالة ، كصديقين وعاملين في مجلة واحدة ببغداد . نلتقي كل يوم لساعات طويلة حتى في بعض صباحات أيام الجمعة . أبصرتُ ملامحه كلها وطبيعته الصافية كلها وأدركتُ أن روحه مغلقة وغير مغلقة في آن . فأزيز أفكاره الروائية تحرك تياراً يومياً على صفحات ما يكنب ويسمع صوته مما يكتب .في مكتب مجلة النفط والتنمية تعطـّرنا ببركة الأحاديث الروائية المشتركة فكان يؤثر في نفسي حين أعرض عليه رواية أو قصة مما أكتب أو حين يأتيه قصاصون وروائيون شباب . يوقد في الجميع وفي مواهبهم حطباً جديداً كأنه يقول : من يريد أن يكون على الطريق الصحيح ينبغي أن يدرب عقله جيداً وأن ينسج فنه جيداً . لم ينجو وقته ولا وقتنا من مجلس الجدل الاقتصادي والسياسي الذي ينعقد في غرفة مكتبه بزائريه الكثار كل يوم يشيع الجد والبهجة المتعددة الألوان . كنا نسمع في غرفته شذرات كثيرة من آراء راقية ومختلفة على مدى اكثر من خمس سنوات عن الأدب اليوناني والهندي وعن نجيب محفوظ وشكسبير ودستويفسكي وعن الكوميديا الإلهية وعن أتلف ليلة وليلة ولسان العرب وعن عبد الوهاب البياتي والخيام وعن تمور البصرة وصحراء السعودية إلى جانب أحاديث وتعليقات عن ابرز جوانب الثورة العلمية والتكنولوجية وعن المركبات الفضائية وعن كل التطورات في العالم والعالم العربي بشكل خاص بعد زيارة أنور السادات لإسرائيل . بعد الحرب العراقية ــ الإيرانية تحول سطح بناية المجلة في المنصور إلى منصة للفرجة على الطائرات المغيرة وإلى سماع تعليقاته اللاذعة و الساخرة التي اشتهر بها يقولها بكلمة واحدة أو ببضع كلمات .أحاديث تطول أو تقصر أو تتوقف لكن رابعتها جعلتها ترتيبا محوريا ، حّولها إلى ملتقى منيف.. كلها ذكريات شديدة الاتصال بمقالات أخرى مأمولا أدونها برؤية موضوعية متعددة الجوانب عن خارطة وجوده معايشا أقسى فترة من فترات تسلق صدام حسين جدران السلطة .أمتلك هذا الرجل فكراً وقاداً لا يتوقف.. ففي ساعاته اليومية يلتحم في ذهنه سمع وبصر وتفكير من فكرة سياسية أو اقتصادية أو روائية كالتحام " الجزء " المستمتع في باطن عقله مع " الكل " المحيط به أو المتحرك فيه . يتطلع دائماً إلى لب الأشياء وإلى ينابيعها لمغالبة ما يحيط بالوطن والشعب والأمة من عواصف . خاصة أنه كان يعيش في قلبها ببغداد قبل الحرب العراقية ــ الإيرانية وبعد اشتعالها . وكانت كل أقواله اليومية حول هذه القضية أو تلك تبدو رائعة حتى في ساعتها الأولى فهو بطبيعته لا يحب الجزم بالكلام لكنه ينسج استنتاجاته خطوة خطوة بهدوء تام قلّ نظيره . لكنه لا يعتد برأيه و لا يعظ لا نفسه ولا غيره ، لتجد نفسك أمام سقراط المتكلم . ما توقعت أن يرحل بهذه العجالة ففي داخله كنز روائي لم يضعه كله على منضدته ، بعد . حين دخل التاريخ روائياً ، في مدن الملح ، كانت عبقريته تتواثب وتطير حول هذه الواقعة أو تلك من وقائع التاريخ العربي الحديث ينتظر لطف الوقت كي يوفر له حافلة المزيد من الإبداع والإنجاز .كان يشكو مجيء الليل سريعاً ويشكو طلوع النهار سريعاً . يتطلع بين الشكويين بعيداً وأبعد.. يهوى ساعات الليل كما يهواها نهارا ومشقته الوحيدة في كتابة الرواية التي بدأها بعد الأربعين هي مشقة انتهاء النهار ليلا وانتهاء ليله بالنهار فهو لكليهما مخلص يقول للزمن : دافع عني بمنحي المزيد من وقتك لأدافع عنك بالقلم .غير أنه رحل سريعاً تحت معاناة العجز الكلوي و ضربة القلب المفاجئة .هذه كلمات نبعت عندي حزناً برحيله . تماماً مثلما نبعت عندي بحزن كبير عندما أعلمني قراره بالرحيل من بغداد ذات يوم تراكمت فيه غيوم حرب قادسية صدام حسين كثيفة فوقها ويوم أرادت أن تحوم حول حريته فأيقن في اللحظة المناسبة أنه لا يوجد نيرون في العالم بلا فسق ولا قسوة .الرحيل المفاجئ عادته . علامة من علامات حركته من بلد إلى آخر محاولاً الوصول إلى خير العطاء في عالم ٍ مليء بالحركة وهو يحمل مشاعره الجليلة عن المكان الذي لا يستقر فيه باحثاً بقسوة عن مصير الإنسان العربي وعن ضوء ينير بالكلمات الروائية الباحثة عن أجزاء حياته وعن أشيائهكلها .كان عبد الرحمن منيف " كلٌ " في زمن الرواية العربية وكان قارعاً لنواقيس إبداعها و مجدد " أشيائها " كلها .عبد الرحمن منيف لم يكن من نوع الرجال الذين يمسكون بالمكان ..لكنه من النوع الذي يمسك بالزمان .ستبقى أعماله الروائية ذات تعزيم قوي للرواية العربية وللروائيين العرب حتى مستقبل بعيد .. ستظل روحا إنسانية بمسعاها السامي .أنا مملوء بالحزن والقلق في هذه اللحظة الصعبة وعندما أفيق يبدأ عندي مجرى جديد لتدوين ذكرياتي مع أناشيده الموجهة للعالم الفسيح ..يا أصدقاء الرواية العربية الفضلى أبـّنوه في قلوبكم فعصارات إبداعه تبقى حيّة ..


*جاسم المطير

من هُنا


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=14285

مقال ~



تنفتح روايات عبد الرحمن منيف على عالم قائم، يتجسد في بنية ما، لها مقوّماتها وتمثيلاتها، ويمكن للباحث الاجتماعي دراسة أحوال العيش، كالطعام والشراب واللباس، في العالم الروائي، وقراءة مختلف تفاصيل هذا المجتمع، من خلال الوقوف على تاريخية النص الأدبي، أو مقابلته بالتاريخ، خصوصاً وأن روايات عبد الرحمن منيف تنهل من التاريخ، وتبني تاريخها الخاص.وقد روى عبد الرحمن منيف "التاريخ" في نصوصه الروائية العديدة، واستطاع أن يبني فضاء، تتحرك فيه الأزمة التي تعصف ببلدان شرق المتوسط وجنوبه. وفي هذا السياق يلجأ صالح ابراهيم في كتابه "أزمة الحضارة العربية في أدب عبد الرحمن منيف" (المركز الثقافي العربي، بيروت، 2004) الى اتباع المنهج الاجتماعي لدراسة فضاء الأزمة الحضارية التي جسّدتها روايات عبد الرحمن منيف، منطلقاً من اعتبار أن دراسة "الحضارة" يجب أن تبدأ أولاً، بدراسة وعائها الزماني والمكاني، حيث يأخذ هذا الوعاء أهمية مضاعفة حين يطرق باب الحضارة في الرواية، من جهة كونه عاملاً مهماً من عوالمها، وفضاء تتحرك الأزمة فيه.وتتخذ روايات عبد الرحمن منيف متن الدراسة، خصوصاً مدن الملح وأرض السواد وشرق المتوسط وسباق المسافات الطويلة والأشجار واغتيال مرزوق والنهايات وقصة حب مجوسية، حيث يتم الارتكاز عليها لدراسة مقوّمات الأزمة الحضارية، بدءاً بالأزمة الاجتماعية المتجسّدة في بنية المجتمع وشؤون المرأة والدين، ومروراً بالأزمة السياسية والإدارية من خلال استعراض نظام الحكم والمؤسسات الإدارية، ووصولاً الى الأزمة الاقتصادية وعلاقاتها بالنفط وتجلياتها المالية والتجارية، وانتهاء بالأزمة الفكرية والثقافية من خلال تناول قضايا الاستشراق والتفاعل الحضاري والعلم والأدب والفن.وتبرز الأزمة الاجتماعية في روايات عبد الرحمن منيف بواسطة تركيزه على ظواهر اجتماعية وأنماط محددة من العلاقات المتشابكة بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتظهر حدّتها في القمع والاستبداد ووضع المرأة واتساع الهوة ما بين الأغنياء والفقراء، حيث يعيش الفقراء في أسوأ الأوضاع، وهم في حالة ثبات كلي، إذ "في هذه الدنيا كل شيء يتغير إلا الفقر والفقراء. الفقر يبقى والفقراء يزدادون"، الأمر الذي يفضي الى أن الحراك الاجتماعي هو حراك هابط. في المقابل تظهر أعماله ازدياد سطوة ونفوذ الأغنياء الى درجة سيطرتهم الكاملة على الثروات ومراكز القرار، وازدياد تسلطهم واستقوائهم على الفقراء. كذلك فإن أحوال العيش تعبر عن خلل واضح في الانتماء، وفي وعي الذات الجماعية، إضافة الى إشكالية معنى التواصل والاستمرارية ما بين الأمس واليوم والغد.المستضعفونفي كل ذلك انحاز عبد الرحمن منيف الى جانب المستضعفين، فحكى عن جرح المرأة المقيم في البلاد العربية، وعن مدى الظلم الواقع عليها، فاضحاً عقم وقسوة التقاليد الاجتماعية التي يؤطرها، وتحد من انطلاقها وقدراتها. فهي كائن لم يرحمها المجتمع، حطمها أحياناً وحطمته، همّشها فخسر ما يمكن أن تقدمه المرأة وتعطيه، وهو لم يعترف بقيمة لها إلا جسدها، فشحنت جسدها بكل طاقاتها واستوت على عرشه أميرة الإغواء أو الدعارة. وتصوّر روايات منيف المرأة وهي محبوسة في القصور التي عمدت الى هزّ أركانها، من خلال المؤامرات التي تحيكها، والاحتيال الذي تمارسه، وهي وإن حسبت متاعاً، إلا أنها تسللت الى صناعة القرار من "نوافذ" الليل.كذلك، لا يبتعد الدين في روايات منيف من الأزمة العامة البنيوية التي يعانيها المجتمع، فهو يسهم بصورة فعّالة في بلورتها، وفي حثّ الناس على تقبّل بعض جوانبها الاجتماعية والسياسية، وبذلك لم يرفض منيف الدين، بوصفه إيماناً مقدساً، بل وجه سهام نقده الى الممارسات السلبية الملحقة بالدين، والمعتقدات التي تقترب من الخرافة، ومن هذه الزاوية يكمل الدين الأزمة الاجتماعية.ومن طرف الأزمة السياسية والإدارية، لم يحصر منيف هذه الأزمة في مؤسسات الدولة، بل في مجمل المراحل التي شهدت تشكل الدولة، فقد صنعتها "دولة" الصحراء عبر حقبات تحوّلها، فأنتجت عقماً وقمعاً وتسلطاً، الى جانب الارتهان بالأجنبي، ودلّت عليها جملة الهزائم الداخلية والخارجية، وتبعاً لهذه الوقائع يعتبر المؤلف أن منيف لا يؤمن بأن النهضة العربية قد بدأت بالفعل في تلك المراحل، لذلك نجده يعيد طرح الأسئلة من جديد. وتفاقمت الأزمة حيث بلغت مستويات معقدة مع مراكز القوى الداخلية ومع شبكة العلاقات الدولية، إذ تنافرت مراكز القوى وتضاربت مصالحها، في حين بقيت العلاقات الدولية غير متكافئة، مع محاولات سيطرة الدول الغربية على الدول العربية، فلم تقم علاقات تعاون أو تحالف، بل علاقات تسلّط ورضوخ، أتاحت للغرب أن يعمق نفوذه، وأن ينهب ويصادر القرار. وتجسدت الأزمة في طبيعة السلطة ونظام الحكم، فالسلطة غالباً استبدادية، ولم تبذل أي جهد من أجل التنمية، بل كان همها الحفاظ على مواقعها ومصالحها الخاصة.وظف عبد الرحمن منيف، كما يقول المؤلف، كل مقوّمات العمل الروائي الفنية للتعبير عن الأزمة، وطرح إشكاليات عديدة، من بينها إشكالية الثقافة والفكر، وهي إشكالية مطروحة في الساحة الثقافية منذ بداية ما عرف بعصر النهضة، وتعبر عن مأزق التفاعل الحضاري بين "الشرق" و"الغرب"، ولم تفض طبيعة العلاقات بينهما في روايات منيف الى شكل من أشكال التفاعل المثمر والبنّاء، فالغربيون لم يؤسسوا علاقة تفاعلية مع "الشرق" على أي مستوى من المستويات، لأنهم أرادوا أن يفرضوا سيطرتهم وتوسيع دائرة نفوذهم، لذلك وظفوا، خدمة لأغراضهم، رجال السياسة والعسكر والاقتصاد وحتى الفكر والثقافة. وقد صوّر عبد الرحمن منيف في رواياته الكيفية التي تنهب بواسطتها الدول الغربية ثروة المنطقة، ومحاولاتها شرعنة هذا النهب عبر التنظير الفكري له، تحت رايات الاستشراق، للنهوض والتمايز والبدائية والتخلّف.إن الجديد الذي قدمه منيف في هذا المجال، قدمه روائياً، من خلال معالجة انعكاساته فنياً على الغالبية العظمى المنسية من الناس، حيث حكى عن السجون والمعتقلات، وعن الفقر والفقراء، وأرّخ لمن أهملتهم كتب التاريخ، وأعاد الحياة لأسئلة مصيرية كدنا نحسبها بسيطة لكثرة ما كررناها في خطابنا النهضوي.



* المقال لعمر كوش من هُنا


http://www.almustaqbal.com.lb/stories.aspx?StoryID=53216

البعد الحضاري في روايات عبد الرحمن منيف

البعد الحضاري في روايات عبد الرحمن منيف


د. فرحان اليحيى*


إن إشكالية العلاقة بين الغرب المتحضر والشرق المتخلف ليست جديدة في أدبنا المعاصر، فقد ظهرت بكثافة في كتابات الأدباء، منذ القرن التاسع عشر، نذكر منها، على سبيل المثال: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» لرفاعة الطهطاوي (1834)، و«عصفور الشرق» لتوفيق الحكيم (1938)، و«الحي اللاتيني» لسهيل إدريس (1954)، و«موسم الهجرة الى الشمال» لطيب صالح (1966)، وغيرهم كثيرون على صعيد الإبداع الروائي.وإن صورة العلاقة في هذه الآثار، ليست من نمط واحد، بل اتخذت انماطاً ذات أبعاد متعددة، حسب السياقات التاريخية والمنابع الفكرية والثقافية والسياسية المتضاربة، وهذا ما نجد أشباهاً له ونظائر في الآداب الإنسانية كلّها. ‏ وقد طرح الكاتب عبد الرحمن منيف هذه الإشكالية في العديد من رواياته.. ففي رواية، «الأشجار واغتيال مرزوق» (1973)، يدين الشرق، وينوه بالغرب الديمقراطي من خلال شخصية منصور عبد السلام ـ الأستاذ الجامعي، الذي توقف عن التدريس، بسب مواقفه السياسية المعارضة، فاضطر الى العمل مترجماً في بعثة الآثار الفرنسية، وتعرف على فتاة مجرية، اسمها كاترين، كانت تعمل في البعثة، يخاطبها: «والملوك عندنا يا كاترين لا يشبهون ملوككم أبداً، كل رجل عندنا ملك، والممالك صغيرة لدرجة أنها متجاورة ومتراصة مثل مراحيض المقاهي والفنادق...» (ص248). ‏ ثم يمعن في تصوير اضطهاد الحاكم لشعبه: «كاترين لا تغضبي، فأنا لا أقول سوى الحقيقة، وهذا الملك الذي أتحدث عنه قاسٍ حتى إن الشرر يتطاير من عينيه دائماً، وكل يوم يقتل مئات من الناس، يقطع أيديهم ورؤوسهم ويجلدهم في الميدان الكبير، ويسرق كل قمحة تنبت في أي شبرٍ من الأرض، ويلقي للناس بالفتات، والناس يهزون رؤوسهم شكراً واعترافاً بالجميل» (ص249). ‏ ويعتقد أن اللقاء بين الشرق والغرب مستحيل، ولذلك يرفض الارتباط بصديقته البلجيكية والعودة بها الى موطنه لقناعته بعدم تكيفها مع المجتمع الشرقي المختلف والمناقض تماماً للبيئة الغربية المتطورة، كما يتضح من الحوار التالي: «كاترين!.. نحن عالمان، التقيا صدفة.. وبعد قليل سوف نفترق.. لأننا من عالمين مختلفين التقينا في نقطة، ولكن كل عالم منا سيواصل رحلته الى آخر الحياة دون أن نلتقي مرة أخرى» (247)، ثم يسخر من أعمال بعثة الآثار وهي تنقب عن الألواح المسمارية ومظاهر الحضارة البابلية، لأن تلك الحضارة قمعية قامت على جماجم الشعوب، فهي تاريخ أفراد، ومعرفته بهذا التاريخ في نظره ـ لا تقدم ولا تؤخر شيئاً بالنسبة للإنسان: «وأنت يا مسيو «دونال»، هل وصلت إلى الموقع؟ هل حضرت كل شيء لاستقبال الرجال الذين سيبحثون عن ألواح الطين؟ وإذا وجدناها يا مسيو «دونال»، ماذا سنفعل بها؟ لنعرف التاريخ القديم بشكل أفضل؟ وإذا عرفناه هل يتغير شيء في حياة الناس الذين يعيشون الآن؟! إن ما نفكر به مجرد عبث أخرق» (ص189). ‏ إنه ينظر إلى تلك الحضارات القديمة من زاوية أيديولوجية اشتراكية، وهي حصيلة قراءات منيف في الفكر الماركسي. والحقيقة إنه لم يضف إلى الكتّاب الذين سبقوه في هذا الموضوع شيئاً سوى التشاؤم والطرح ا لحاد. ‏ وفي قصة «حب مجوسية» يطرح منيف العلاقة بين حضارة الشرق، وحضارة الغرب طرحاً ضمنياً مقتصراً على الأبعاد الوجودية، وكأنه يشيد بالإمكانات المتوافرة في فضاء الغرب الملائم لاكتشاف الذات الإنسانية، وإن بطل الرواية المجرد من الاسم واللقب، يكتشف من خلال علاقته بـ «ليليان» اغترابه عن العالم، ليس بسبب التباين الثقافي والحضاري والروحي، وإنما كان ناتجاً عن التأثر بالفكر الوجودي كما يتجلى في الاقتباس التالي: «لو قلت لكم إن حياة البشر تشبه خطوط السكك الحديدية، فهل تفهمون ما عنيته؟ منذ البداية نفتقد اللغة المشتركة، ليس بيننا شيء مشترك، ليس لديكم تجاهي حتى الرغبة في أن تفهموا...! لا يهمني، بدأت الرحلة وحيداً وسأنتهي وحيداً» (ص48) وما يزيد هذا الاحساس بالاغتراب قوةً، أن البطل يكتشف في نهاية الرواية عبثية الحياة ذاتها، فقد ظل يبحث عن ليليان مدة طويلة، ولكنه لم يستطع أن يجدها إلا في محطة القطار، وهي تهمّ بركوب قطار غير القطار الذي يستعد لركوبه. ‏ أما في رواية «شرق المتوسط» فهو مبهور بحضارة الغرب، بوصفها المأمن والمنقذ للهاربين من سجون الشرق وإرهابها، وعندما سافر إلى فرنسا للعلاج من الأمراض والعاهات التي أصابته جرّاء التعذيب على أيدي الجلادين، ونزل في مرسيليا ثم انتقل إلى باريس، عبّر عن ولعه بمظاهر الحضارة وحرية الفكر وحقوق المواطنة، وحقوق الإنسان، متذكراً صورة «شرق المتوسط» الممتهن لكرامة الإنسان، ولكنه في النهاية يقرر العودة إلى الشرق، مبرزاً التناقض الصارخ الذي يسود حضارة الغرب، عندما يحاور طبيبه «فالي» مذكراً إياه بـ: «باريس المشانق والمقاصل والحصاد»، ‏ ويرى أن الشرق والحرية ضدان لايجتمعان، ولهذا نجد البطل يستحث السفينة اليونانية الدالة الاسم «أسخيلوس» للوصول بجسده الى الغرب، حيث يلتقي برومثيوس العربي بروحه الليبرالي، المقيم على ضفة غرب المتوسط! «أسخيلوس أنت سفينة الحرية، سفينة لها مئة باب. لاترجعي، اقفزي دائما الى الامام، ويلٌ لك اذا أمسكوا بك يوما». هذا التماهي مع السفينة المنطلقة من اليونان أصلا والمنتهية الى الغرب حكماً: «احذري يا أسخيلوس إن عدت يوما الى الشاطىء الشرقي، سيجدون لك سرداباً أصغر من القبر». ‏ وإذا كانت العلاقة بين حضارة الغرب والشرق في روايات منيف السابقة غير متكافئة، لأن المغلوب مفتتن بحضارة الغالب الموسومة بالديمقراطية والليبرالية.. ومع ذلك فالشرق شرق والغرب غرب في منظور الكاتب. ‏ أما في الروايات اللاحقة التي تبدأ برواية «سباق المسافات الطويلة»، وتنتهي بـ «أرض السواد» فإنها صورة مختلفة تماما. ‏ ـ في «سباق المسافات الطويلة» تبدو الحضارة الغربية في أعلى مراحلها الاستعمارية، استغلالاً وهيمنة واستعلاء واحتقاراً للشرق، وذلك من خلال «بيتر» عميل الاستخبارات البريطانية الذي يتظاهر بالمستشرق، كي يرعى مصالح بلده في إيران، مستفيداً من الاضطرابات الداخلية في ظل حكومة «محمد مصدق»، ويسجل ذلك في يومياته على النحو التالي «إن تحركنا لتحريض الأطراف ضد بعضها يمكن ان يؤدي الى نتائج ايجابية مهمة وسريعة». ص (109) ‏ وهذا التحريض ما كان يتم إلا بوساطة الاغتيالات السياسية التي تعمق هذه الخلافات بين الاطراف المتنازعة، ثم يسجل انطباعاته السلبية عن سكان الشرق وطبائعهم وعاداتهم وطرق معيشتهم وانغماسهم في الاوهام» ص76، إن «بيتر» يسخر من كل شيء في الشرق حتى من الحيوانات: «فهي حيوانات شرقية، كسولة، بليدة.. يقف الحمار ساعات طويلة تحت الشمس المحرقة ولايتحرك» ص128. هذه الرواية تصور لؤم الغرب الامبريالي الذي يغزو الشرق في داره، ويجعله مجالاً حيوياً له، الى جانب ذلك انه يسخر من نمطه الحضاري ومن ثقافته في تعالٍ وغطرسة مقيتة، وتجب الاشارة الى ان أميركا في هذه الرواية أزاحت انكلترا عن طريقها، وسيطرت على المنطقة كُلياً. ‏ وفي رواية (مدن الملح)، يظهر الغزو الحضاري العالمي ممثلا بأميركا، بكل ثقله، حيث تحل شركة نفطية أميركية بوادي العيون، منقّبة عن النفط، فتغيّر معالم المنطقة جغرافياً وسكانياً وحضارياً وثقافياً، تشرّد بعضهم، وتتخذ من بعضهم الآخر عبيداً، يقومون بالأعمال الشاقة، وبمرور الزمن تستطيع هذه الشركة ان تمارس تأثيراً قوياً في المجتمع على المستوى الثقافي والسياسي، وذلك من خلال المستشرق الانكليزي «هاملتون»، الذي كان يخطط للإطاحة بأنظمة حكم، كما فعل مع السلطان «خزعل» ويضع من يريد لاستلام السلطة، مثلما فعل مع الامير «فنر» ويرسم الخريطة السياسية في «حران» و «موران». ‏ أما في «أرض السواد» فهي أكثر رواياته خصوصية وتميزاً، لأنها تجعل من الشكل الروائي، تاريخاً آخر ولأنها تجعل من المكان ساحة لصراع الحضارات والثقافات، فإذا كانت الروايات السابقة التي كتبها منيف تصور العلاقة بين الحضارات في أنماط مختلفة تتأرجح بين التوافق والشك والاستعلاء والتفوق، فإن رواية «أرض السواد» تجسد الصدام الحضاري بين الغرب والشرق في أبرز تجلياته، من خلال الصراع بين «داود باشا» والي بغداد، الطامح الى بناء عراق قوي في وجه الاطماع والتحديات، هذا الذي يحمل رأساً مستنيراً تحت الطربوش العثماني الفارغ، وبين القنصل الانكليزي ريتش ممثل الامبراطورية الكبرى في الربع الاول من القرن التاسع عشر أو يزيد ـ العلاقة بين هاتين الشخصيتين تتخذ طابع الندية ولاسيما من قبل المصلح «داود» والمتأثر بنموذج محمد علي حاكم مصر، وطموح نابليون. أما موقف ريتش المزهو بحضارة الغرب، والمثقف بعلم الآثار، والمجيد للغات العربية والتركية والفارسية، والذي ينظر الى حضارة الشرق نظرة استصغار، وفي الآن نفسه كان معجباً بآثار الحضارات الشرقية القديمة التي تزخر بها العراق، فإذا كان عبد الرحمن منيف يقلل من قيمة الحضارة الشرقية والآثار الشاهدة عليها في «الاشجار واغتيال مرزوق»، فإنه في «أرض السواد» يصف تهافت الانكليز والفرنسيين على هذه المعالم، ويثمنها عاليا من خلال «انبهار «ماري» زوجة القنصل الانكليزي «ريتش» بلوحة: العربة الملكية «لسرجون» وهي رمز للقوة والمهابة بالنسبة الى ماري التي كانت تتساءل عن جبروت هؤلاء الملوك البابليين.. ‏ هذا التطور الذي طرأ على رؤية الشخصية للحضارات القديمة في روايات منيف تعبير واضح عن مدى تغيّر الموقف الواضح تجاه هذه الحضارات، وكأن عبد الرحمن منيف يريد ان يقول: إن عندنا ما يضاهي حضارة الغرب. كما أنه اكتشف الوجه الآخر القاتم للغرب الامبريالي، وطبيعته العدوانية. ‏

‏ المصادر:
عبد الرحمن منيف: ‏ 1 ـ الأشجار واغتيال مرزوق، بيروت، 1973. ‏ 2 ـ قصة حب مجوسية، ط5، بيروت: المؤسسة العربية، 1990. ‏ 3 ـ شرق المتوسط، ط9، بيروت: المؤسسة العربية، 1993. ‏ 4 ـ سباق المسافات الطويلة، ط6، بيروت، المؤسسة العربية، 1995. ‏ 5 ـ مدن الملح، ط1، بيروت، المؤسسة العربية، 5ج، 1984 ـ 1989. ‏ 6 ـ أرض السواد، ط1، بيروت: المؤسسة العربية، 3ج، 1999. ‏ 7 ـ الكاتب والمنفى، ط1، بيروت، المؤسسة العربية، 1992.
*عن تشرين السورية


http://www.almujaz.net/modules.php?name=News&file=article&sid=324

~ الفن الروائي عند عبدالرحمن منيف .


عبدالرحمن منيف (1933 ـ 2004) الاديب العربي المعروف كان مشغولا في اعماله الروائية بتثوير الرواية، ويبحث عن ثوار روائيين قادرين علي مواجهة الاستكانة والعجز العربي، فهو الذي وصف نفسه بالثائر الروائي انشغل بموضوعين شكلا المدماك لكل رواياته وهما القمع والنفط، وعبرهما عمل علي تشكيل مدن وقراءة اماكن وحيوات شخوص، لم يكن فيها مشغولا بالتأنق اللفظي او بناء شعرية خاصة عن المكان بقدر ما اراد ان يقدم رؤية عن الطريقة التي يتشكل فيها المكان بفعل الاستغلال والاكتشاف وعلاقته بالفرد الذي قد يكون عامل هدم او بناء.وفي داخل هذا الفهم كان منيف يقرأ التغييرات النفسية والظاهرية التي تحدث علي المكان، والتحول المثير في العلاقة القريبة بالمكان الي غربة عنه.منيف الذي كتب رواياته فيما بعد الهزيمة العربية والانكسار العربي كان مشغولا بالهموم السياسية والثورية التي تفرعت عنها، فقد قال مرة نحن بحاجة الي ثوار روائيين لديهم تطلعات، لديهم صيغ واساليب في التعبير، ولديهم هموم يشركون الاخرين فيها ، وهذا لا يعني بالضرورة الدخول في اطار المباشرة السياسية ولكن رصد وتوثيق العصر الذي يعيش فيه الكاتب، وبداية من الاشجار واغتيال مرزوق حتي روايته الاخيرة ذات النفس الملحمي ارض السواد عن بغداد العثمانية كان يصور اثار السياسة علي العربي واثار الطبيعة علي نفسيته، علاقته بالمكان، حس الانتماء والاقتلاع الذي يولده مكان ما، والشعور بالغربة والاغتراب عن هذه الارض التي تتغير ولكن الانسان يأبي التغيير. غير ان منيف المثقف ايضا لم يكن غافلا عن الاثار التي تركتها الحداثة القاسية التي جاءت الي وطننا العربي ولم تخلف وراءها الا الاستغلال والسجون والفقر والتفرقة. ومثل الجانب السياسي في حياة منيف كان الجانب الروائي يؤمن بقدرة الرواية علي التغيير.البطل الروائي الفردي لديه التزام نحو مجتمعه وواقعه ولكنه ليس كل شيء ففي اعمال منيف ابطال يلعبون ادوارا مهمة في التغيير. المكان في مدن الملح في اجزائها الخمسة، يصبح عاملا مهما يتداخل في حيوات الشخوص والزمان، يصبح المكان المصهر او البوتقة التي تنصهر فيها كل الشخصيات التي تتعاقب كمياه النهر الجاري بحيث لا يتوقف الواحد منها اكثر مما يحتمله المشهد او الحالة فاسحا المجال لكي يأتي الاخر البديل المكمل ويواصل المشوار ـ الحياة. تتنوع شخصيات منيف في اعماله الروائية فهو وان قدم صورا عن الشخصية الانتهازية والاجنبية، الا انه يفسح المجال امام عدد من الاصوات لتكمل الالتحام الذي يبدو ضرورويا في بناء واحكام البناء الروائي امام شخصيات شعبية، ولا يغفل صوت المرأة، المثقف والشعبي والمرأة والاجنبي نماذج من الوجوه التي عاشت في عالم منيف الروائي، في محاولته لبناء صلة وتواصل بينها وبين المكان والزمان. توزع انتاج منيف الروائي بين الواقعي النقدي الي الرومانسي والتأصيلي التراثي، وفي كل هذا الانتاج ظل منيف يجرب في الاشكال الروائية التي يظل الواقعي من اقرب الاشكال الادبية له، ولكنه ظل يبتكر ويطعم اساليبه السردية بالمثل والاشعار الشعبية بل ان استخدامه للهجة العامية يضفي نوعا من التوتر والجمالية علي نصه، وبدا هذا واضحا في تقديمه اللهجة الشعبية الجميلة في توترها وغنائيتها في عمله الاخير ارض السواد .علي خلاف كتاب الرواية العرب الذين اتخذوا من مكان محدد في الجغرافيا العربية عاملا مميزا ولكنه قابل للتطبيق علي اجزاء اخري منه، كان منيف يقدم اماكن ليست محددة ولكنها تجمع العديد من الصفات المحددة والممثلة للواقع العربي، ولهذا السبب جاءت مدنه ممثلة للواقع العربي دون ان تكون محددة بمكان حقيقي معروف، موران والطيبة ووادي العيون وحران والعوالي والجسر وعساف هي اسماء اماكن والقاريء لديه القدرة علي وعي صورة المكان وربطه باي واقع عربي، هذا لا يعني ان منيف لم يكن شغوفا برسم المكان وتحديد ملامحه فتضاريسه واجزاؤه واضحة لان المكان يظل خزانا لافكار ومشاعر الشخصية، حيث يولد معها ويتشكل بتشكلها ولديه قابلية علي الزوال كما في مدن الملح التي يقترح عنوانها وجودا مؤقتا قابلا في اي لحظة للانتهاء والتلاشي، وهذا الوجود قائم علي الطفرة. لا محدودية المكان لا تجعل من مسرح الاحداث ارضا غامضة فتنازية فاسماء الروايات تدل علي مكانيتها. المكان في بناء منيف الروائي مرتبط بالانسان والزمان فقيام مدينة او مكان ونهايته متصل بهذه الثلاثية التي تبدو هامة في سرد الكاتب يروح ويجي الثاني يا ابو عزيز، وتنبني المدينة الجديدة، وكأنه ناقصنا مدن، وتقوم مدن ملح، وترتفع وتكبر اذا جاءها الماء فش ولا كأنها كانت . كل اعمال منيف تبدأ بمكان وتنتهي به وبدأت موران تتنصت وتتلفت وتترقب.... من جديد ، انه وادي العيون.. ، فجأة وسط الصحراء القاسية العنيدة تنبثق هذه البقعة الخضراء، وكأنها انفجرت من باطن الارض او سقطت من السماء . في بناء منيف لعالمه الروائي لم يكن المكان عاملا مكملا او زخرفا وحلية للتأنق ولكنه برز كعامل حاسم ومحوري في تطور الاحداث. يقول منيف ان المكان ليس جامدا او محايدا، انه الحاضنة التي تتكون فيها الافكار والعلاقات وتكتسب من خلالها حتي الملامح ونمط القول والنظرة وبالتالي يترك المكان بصمته القوية علي البشر والشجر وكل ما ينهض فوقه ، وللامكنة بعد اخر يتحكم فيها وهو الزمن، وهو الذي يترك اثره الاخر علي الشخصيات الروائية في عالم منيف، ان اكثر ما تخشاه شخصيات منيف هو الزمن، الحكيم صبحي ان اكثر ما اخشاه هو الزمن ، انا وموران وهذا الزمن ، وعلي الرغم من مركزية الزمن في رواياته الا انه من الصعوبة بمكان تحديد الفترة التاريخية التي تجري فيها احداث الرواية، ويتجاهل منيف تحديد الزمن، ويتركه فضاءا فسيحا، وهو يشير الي بعض التواريخ والاحداث مثل احداث عام 1948، واحداث ايران وثورة مصدق، وحكم الاتراك والحربين العالميتين. في الوقت الذي يجد فيه القارئ صعوبة في تحديد ازمنة الرواية، الا ان الكاتب يجد الحرية الكاملة في التلاعب فيها، اختصاره وتكثيف حياة شخص او تجربة تمتد علي اربعة وعشرين عاما الاشجار واغتيال مرزوق الي بضع ساعات تستعاد في رحلة قطار. تحفل روايات وعوالم منيف بالعديد من الشخصيات، منها المثقفة ومنها الشعبية، ولكنها تشترك في حالة الاغتراب التي يعاني منها الانسان العربي، الانسان الضائع، والمثقلة بمشاعر الذنب، وهي محطمة متآكلة فقدت الامل بحدوث تغيير. في روايات منيف قليلة هي الاماكن الاليفة والجميلة، التي يعيش فيها الابطال في انسجام وتواؤم، وحتي هذه الاماكن التي كانت تحط بها القوافل ظلت مهددة. وفي غالب الاحيان فالمكان بطبيعته اليف حتي في ظروفه القاسية الا ان الظروف التي جمعت الابطال به هي التي شوهت طابع العلاقة، وهذا باد في معظم الاماكن التي برزت في مدن الملح ، الحدرة، وحران التي حولها النفط والامريكان. وهناك صلة عضوية بين براءة المكان الذي يعيش خلف سراب الصحراء العنيدة والقاتلة، وبين وصول الالات العتيدة التي لم تغير البيوت وطابع الارض كما حلم في ذلك الحكيم صبحي المحملجي، بل غيرت نفسيات الناس بحيث صارت صيرورة الزمن الذي عاشوا فيه قاتمة وغريبة، بعضهم تهمش وانعزل والبعض الاخر اخذ يطارد خياله واشباح الماضي التي لم يتخل عنها، فيما فقد الاخر عقله، وصار موضعا للشبهة. صالح الرشدان مثلا في الاخدود الذي ظل حريصا علي البقاء قريبا من السوق القديم الذي كان يشير الي انفتاح المدينة علي العالم/ عالم القوافل شعر بالوحدة والنبذ، تفرق من حوله الناس، وهو الذي كان سيد الزمن، والمكان يأمر وينهي، وعندما مات ابنه، لم يشاركوه الفقد، بل اتهموه بالسرقة، وعندما سار حاملا النعش الابيض الصغير بين يديه، كان وحيدا و يثير السخرية اكثر مما يثير الشفقة، يا جماعة، صالح سارق له سرقة، مثل الحرامي يهرول ولا بد ينكفي علي وجهه وتبين سرقته ... ولكن صالح لا يلتفت ويسير لا يرفع وجهه، لا يسمع، ويمسك بجثة الصغير، بحقد اكبر، وكأنه يريد ان يستمد منها مزيدا من الصلابة والقوة .علاقات الابطال مع المكان في بعض المرات تأتي نتاجا للاختلاف والصور الجاهزة، كما في مواجهة الامريكي مع الصحراء، التي بدت لهم كالجحيم وبدوا فيها كحيوانات محاصرة بالنيران يتراكضون في كل الاتجاهات ويصرخون ويتعاركون، فالصحراء تبدو ملعونة في رؤي القادمين الاجانب. حتي الحكيم الذي آمن عندما حل في موران، ان البشر هم الذين يخلقون الامكنة، بدا يعيد النظر في رؤيته، عندما اخذ يجول في اجواء هذه المدينة التي تحولت الي مسخ، والي عالم منفر يذرع المدينة الان لا يري في وهج الشمس الا كتلا سوداء صماء عاتية، وهذه الكتل تناصبه العداء لدرجة انه تمني لو انه لم يأت اليها . ان النظرة الشاكة في التطور والتحولات التي حدثت سريعا علي مجمتع الصحراء هي ادانة واضحة لعمليات التحديث التي حلت في المجتمع البدوي الذي نقل فجأة الي مجتمع نفطي. انها المدينة الجديدة التي قامت علي انقاض مدن الصحراء، مدن التآلف والانتظار، لم يعد فيها مكان للحياة الجماعية، وادي العيون لم يعد في ايام الخصب يخترع الحكايات والاحتفالات ليطيل اقامة القوافل، فالمشاعر الانسانية والجماعية في مدن الملح الجديدة الطالعة لم تعد موجودة. في اجواء كهذه يشعر الابطال بالسلبية ويفكرون بالرحيل الي مرافئ جديدة نسيت كل الجسور التي تصلني بالعالم، بشاطيء السلامة، لم يبق امامي الا ان اشرب، انا مجرد انسان عادي، مضطهد ، هكذا يقول بطل الاشجار واغتيال مرزوق ، بل يسائل كل اليقينيات التي شب عليها مثل فكرة الوطن الذي يختصر الانسان في جو كهذا الي مجرد انسان يتيه في الشوارع يبحث عن عمل ووراءه المخبرون . وعندما يقرر الرحيل، يقر في نفسه انه لن يعود، سيغادر الوطن وينسي الاشعار التي تعلمها في المدرسة والحنين والمشاوير والقمر في الصحراء، فيما يقرر بطل حين تركنا الجسر التوقف عن القراءة والتفكير، بل ان البطل المثقف في هذه الحالة يألف الهزيمة، ويتلذذ بها. منيف في تصويره لاشكالية المثقف العربي في اي مكان لا يريد ادامة حس الهزيمة والهوان بل يريد منه ان يتمرد علي واقعه، ولهذا يفتح لهم منيف الباب امام التكفير احيانا عن اخطاء الماضي والعودة للذات، كما في حالة رجب اسماعيل شرق المتوسط والياس نخلة الاشجار واغتيال مرزوق . مقابل شخصية المثقف المهزوم والبطل الشعبي، تحفل اعمال منيف بالشخصيات التي تجسد السلطة الامير فنر ، السلطان خريبط ، و حماد المطوع الذي يشكل ويؤكد بما يرمز اليه من سطوة الامن والعيون علي حماية السلطة التي تعيش داخل قصورها، وتشعر بعزلة خاصة لولا الامن والرجل الاجنبي هاملتون مثلا (مدن الملح) الذي جاء برومانسية المستعمر واراد مزجها ببساطة البداوة من اجل تثبيت الاستعمار والسيطرة علي دفة الاقتصاد دون الالتفات الي حياة الناس العاديين. وهناك شخصية الانتهازي الحالم مثل المستعمر التي ساهمت في بناء المجتمع النفطي ولكنها لم تتورع عن استغلال كل الوسائل لصالحها تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة ، وهناك المرأة التي عكست شكل القمع او صوره المفروضة عليها في المجتمع، وهي ان لم تلعب دورا ثانويا ولم تبرز في عملين مهمين النهايات و حين تركنا الجسر ، فقد كان وجودها ضروريا، ولعبت دور المحرك في الكثير من الاحداث، سواء كزوجة، ربة بيت، خليلة في القصر، او زوجة رجل انتهازي لم تتورع عن اهتبال اية فرصة لإرواء شبقها ومع ذلك ظلت وفية لاطفالها.ان قراءة منيف ضمن معادلة الزمان والمكان والشخصية تظهر دوره الريادي في تشكيل وتطوير الرواية العربية الحديثة، وكيف حاول الاستفادة من تقنيات السرد الغربي واشكاله، والعودة الي التراث العربي، واذا اخذنا خماسية مدن الملح فهي وان كانت عن صدمة الحداثة، ونشوء المجتمعات الاستهلاكية التي لم تتخل عن بداوتها، تظل عملا ملحميا، وظف له منيف التراث الشعري والمخزون التراثي البدوي، وقام من خلال هذا المزج برصد تحولات منطقة في العالم العربي، تغيرت بفعل ثنائية القمع والنفط.وهذه القراءة التي يقترحها الباحث والناقد الفلسطيني، نبيه القاسم تختلف عن القراءات السابقة لاعمال منيف والتي استندت علي تحليل الموضوعات التي شغلت الكاتب، ولم تنتبه الا بقدر للجوانب الفنية والسردية وتطور الشخصيات والاحداث فيها. والقراءة الجديدة هي موضوع كتاب القاسم الصادر حديثا في فلسطين الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف: المكان ـ الزمان ـ الشخصية ، والكتاب في الاصل اطروحة دكتوراه تقدم بها لجامعة تل ابيب واشرف عليها الباحث المتخصص بالادب العربي ساسون سوميخ. ونبيه القاسم ليس باحثا اكاديميا فقط، بل هو ناقد رصد تطور الحركة الادبية في فلسطين المحتلة ويتابعها منذ اكثر من ثلاثة عقود دراسات في القصة المحلية ، دراسات في الادب الفلسطيني المحلي ، في الرواية الفلسطينية ، واصدر عددا من المجموعات القصصية ابتسمي يا قدس ، و آه يا زمن ، اضافة لعدد من الابحاث التاريخية والكتب التعليمية.


إبراهيم درويش : ناقد من أسرة "القدس العربي" لندن


الكتاب: الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف المكان ـ الزمان ـ الشخصية نبيه القاسمدار
الهدي للطباعة والنشر

من مكتبة الإقلاع ~

Anthony سألت عن حلقات سيرة منيف الشخصية في جريدة عكاظ وَ H a n e e n أجابتها ^__^


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الأولى

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/18/Art_37255.XML

عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الثانية

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/19/Art_37549.XML

عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الثالثة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/21/Art_38048.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الرابعة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/22/Art_38401.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الخامسة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/23/Art_38810.XML

عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة السادسة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/24/Art_39178.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة السابعة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/25/Art_39445.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة الثامنة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/26/Art_40135.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد''-الحلقة التاسعة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/28/Art_40600.XML


عبدالرحمن منيف بدوي في ''أرض السواد'' -الحلقة الاخيرة

http://212.119.67.87/okazarchive/Data/2003/10/29/Art_40954.XML

سيرته ~


عبد الرحمن المنيف (1933 - 24 يناير 2004) اسمه الكامل: عبد الرحمن إبراهيم المنيف, ينتمي إلى قرية القوارة في بريدة بمنطقة القصيم الواقعة وسط المملكة العربية السعودية, يعود في نسبه إلى قبيلة بني خالد العربية المعروفة، كان والده من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين نجد والشام واسم شهرته ((عبد الرحمن المنيف )).
يعد عبد الرحمن المنيف أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية خاصة في دول الخليج العربي أو ما يدعى بالدول النفطية, ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترول عمل في العديد من شركات النفط مما جعله مدركا لاقتصاديات النفط، لكن الجانب الأهم كان معايشته و إحساسه العميق بحجم التغيرات التي أحدثتها الثورة النفطية في صميم وبنية المجتمعات الخليجية العربية.
يعتبر منيف من اشد المفكرين المناوئين لأنظمة كثير من الدول العربية. من أشهر رواياته "مدن الملح" التي تحكي قصة اكتشاف النفط في السعودية وهي مؤلفة عن 5 أجزاء، ورواية شرق المتوسط التي تحكي قصة المخابرات العربية وتعذيب السجون.

نشأته وتعليمه :

ولد عبد الرحمن المنيف في عمان - الأردن عام 1933 من أب سعودي ومن أم عراقية. درس في الأردن إلى أن حصل على الشهادة الثانوية ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952 ثم انخرط في النشاط السياسي هناك, انضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي إلى أن طُرِد من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب بعد التوقيع على حلف بغداد عام 1955 لينتقل بعدها إلى القاهرة لإكمال دراسته هناك. في عام 1958 انتقل إلى بلغراد لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط لينتقل بعدها إلى دمشق عام 1962 ليعمل هناك في الشركة السورية للنفط ثم انتقل إلى بيروت عام 1973 ليعمل هناك في مجلة البلاغ ثم عاد إلى العراق مرة أخرى عام 1975 ليعمل في مجلة النفط والتنمية. غادر العراق عام 1981 متجهاً إلى فرنسا ليعود بعدها إلى دمشق عام 1986 ويقيم فيها حيث كرس حياته لكتابة الروايات , تزوج منيف من سيدة سورية وأنجب منها ،عاش في دمشق حتى توفي عام 2004, و بقي إلى آخر أيامه معارضاً للإمبريالية العالمية، كما اعترض دوماً على الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 رغم انه كان معارضا عنيفا لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

مؤلفاته :

1- الروائية:
الأشجار واغتيال مرزوق - 1973
قصة حب مجوسية - 1974
شرق المتوسط - 1975
النهايات- 1977
حين تركنا الجسر - 1979
سباق المسافات الطويلة - 1979
عالم بلا خرائط بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا - 1982
مدن الملح خماسية روائية (1984-1989)
التيه
الأخدود
تقاسيم الليل والنهار
المنبت
بادية الظلمات
الآن..هنا (أو شرق المتوسط مرة اخرى) - 1991
أرض السواد ثلاثية- 1999
أم النذور - 2005
2- غير الروائية:
لوعة الغياب - 1989
الكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية - 1991
سيرة مدينة - عمان في الأربعينات - 1994
الديمقراطية اولاً.. الديمقراطية دائما- 1995
القلق وتمجيد الحياة (كتاب تكريم جبرا)- 1995
مروان قصاب باشي: رحلة الحياة والفن - 1996
عروة الزمان الباهي - 1997
بين الثقافة والسياسة - 1998
جبر علوان.. موسيقا الألوان - 2000
ذاكرة للمستقبل - 2001
رحلة ضوء - مقالات 2001
العراق هوامش من التاريخ والمقاومة - 2003
أسماء مستعارة (قصص قصيرة) 2006
الباب المفتوح (قصص قصيرة) 2006


ربما يكون عمله الأبرز هو رواية (مدن الملح) في خمسة أجزاء : يصف الجزء الأول التغيرات العميقة في بنية المجتمع البدوي الصحراوي بعد ظهور النفط ، في الأجزاء الثاني يبدأ بوصف رجال الأعمال الذين وفدوا على المنطقة الخليجية و دخولهم في تحالفات مع حكام المنطقة ، الأجزاء الثلاثة الخيرة تصف التحولات و التفاعلات السياسية في شبه واضح مع تاريخ حكام آل سعود ، هذه الرواية صنفته سريعا كمعارض لنظام الحكم السعودي و منعت رواياته من دخول المملكة العربية السعودية -سمح بنشرها مؤخرا في معرض الكتاب بالرياض- و كثير من الدول الخليجية .
الرواية الأخرى التي أحدثت ضجة في العالم العربي كانت (شرق المتوسط) ، التي تعتبر أول رواية عربية تصف بجرأة موضوع التعذيب في السجون خاصة التعذيب التي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية التي تقع في المنطقة العربية وشرق المتوسط .
لاحقا ألف منيف جزءا آخر من شرق المتوسط أسماه : (الآن ..هنا) أعاد به الحديث عن التعذيب في السجون لكنه صورها هنا في بيئة أقرب لبيئة مدن الملح الخليجية .
ارتبط منيف بصداقة عميقة مع روائي عربي آخر هو جبرا إبراهيم جبرا ، توجت هذه الصداقة مؤخرا برواية ثنائية ، قد تكون من الأعمال الأدبية النادرة التي تكتب من قبل شخصين ربما على مستوى العالم ، و النتيجة كانت (عالم بلا خرائط) ، التشابك و التناسق الفني لهذه الرواية كان على درجة عالية يستحيل معها التصديق بأن هذا العمل مؤلف من قبل شخصين اثنين .
من أواخر أعماله : (أرض السواد) التي أراد ان يتحدث فيها عن تاريخ و مجتمعات العراق .


حادثة تخريب قبره :

هدم أجزاء من قبر الروائي عبد الرحمن منيف الواقع في مقبرة الدحداح في العاصمة السورية دمشق ، حدث ذلك في أواخر شهر مايو من عام 2007 ميلادية دون التعرض إلى رفاتة. أدت هذه الحادثة إلى نشوء العديد من التكهنات عن أهداف وغايات الفعلة وماهي طبيعتهم.



*من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة